135 ـ التاسع عشر : عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة ) . رواه مسلم(148) . وفي رواية له : ( فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسـان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )(149) . وفي رواية له : ( لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً ، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة )(150) وروياه جميعاً من رواية أنس رضي الله عنه (151). قوله ( يرزؤه ) أي ينقصه .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ في باب كثرة طرق الخيرات ما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيمن غرس غرساً ، فأكل من شيء ، من إنسان ، أو حيوان ، أو طير ، أو غير ذلك ، أو نقصه أو سرق منه ، فإنه له بذلك صدقة . ففي هذا الحديث حث على الزرع ، وعلى الغرس ، وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير ، فيه مصلحة في الدين ، ومصلحة في الدنيا .
أما مصلحة الدنيا : فما يحصل فيه من إنتاج ، ومصلحة الغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم والنقود ، لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس ، وينفع البلد كله ، كل الناس ينتفعون منه ، بشراء الثمر ، وشراء الحب ، والأكل منه ، ويكون في هذا نمو للمجتمع وكثرة لخيراته ، بخلاف الدراهم التي تودع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد .
أما المنافع الدينية : فإنه إن أكل منه طير ؛ عصفور ، أو حمامه ، أو دجاجة ، أو غيرها ولو حبة واحدة ، فإنه له صدقة ، سواء شاء ذلك أو لم يشأ ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر ، فإنه إذا أكل منه صار له صدقة ، وأعجب من ذلك لو سرق منه سارق ، كما لو جاء شخص مثلاً إلى نخل وسرق منه تمراً ، فإن لصاحبه في ذلك أجراً ، مع أنه لو علم بهذا السارق لرفعه إلى المحكمة ، ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة !
كذلك أيضاً إذا أكل من هذا الزرع دواب الأرض وهوامها كان لصاحبه صدقة . ففي هذا الحديث دلاله واضحة على حث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على الزرع وعلى الغرس ، لما فيه من المصلحة الدينية والمصالح الدنيوية .
وفيه دليل على كثرة طرق الخير ، وأن ما انتفع به الناس من الخير ، فإن لصاحبه أجراً وله فيه الخير ، سواء نوى أو لم ينو ، وهذا كقوله تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء:114) ، فذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأشياء فيها خير ، سواء نويت أو لم تنو ، من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، فهو خير ومعروف ، نوى أم لم ينو ، فإن نوى بذلك ابتغاء وجه الله فإن الله يقول : (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) .
وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وأجراً وإن لم ينو ، فإن نوى زاد خيراً على خير ، وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً . أسأل الله العظيم أن يمن علي وعليكم بالإخلاص والمتابعة لرسول صلى الله عليه وسلم إنه جواد كريم .


(148) أخرجه مسلم كتاب المساقاة ، باب فضل الغرس والزرع رقم (1552) .
(149) أخرجه مسلم كتاب المساقاة ، باب فضل الغرس والزرع رقم (1552)[10] .
(150) أخرجه مسلم كتاب المساقاة ، باب فضل الغرس والزرع رقم (1552) [8] .
(151) أخرجه البخاري ، كتاب الحرث والمزارعة ، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه رقم (2320) ، مسلم ،كتاب المساقاة ، باب فضل الغرس والزرع رقم (1552) .

الموضوع التالي


136 ـ العشرون : عنه قال : أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : ( إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟ ) فقالوا : نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك ، فقال : ( بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم ) رواه مسلم (152). وفي رواية : ( إن بكل خطوة درجة ) رواه مسلم(153) . ورواه البخاري أيضاً بمعناه من رواية أنس رضي الله عنه(154). و( بنو سلمة ) بكسر اللام :قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم ، ( وآثارهم ) خطاهم .