136 ـ العشرون : عنه قال : أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : ( إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟ ) فقالوا : نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك ، فقال : ( بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم ) رواه مسلم (152). وفي رواية : ( إن بكل خطوة درجة ) رواه مسلم(153) . ورواه البخاري أيضاً بمعناه من رواية أنس رضي الله عنه(154). و( بنو سلمة ) بكسر اللام :قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم ، ( وآثارهم ) خطاهم .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ ما نقله عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : أراد بنو سلمة أن يقربوا من المسجد ، ينتقلوا من ديارهم وأحيائهم حتى يكونوا قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن يدركوا الصلوات معه ويتلقوا من عمله ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم ، قال : ( إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنقلوا قرب المسجد ) قالوا : نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (دياركم تكتب آثاركم ) قالها مرتين ، وبين لهم أن لهم بكل خطوة حسنة أو درجة .
ففي هذا الحديث دليل على أنه إذا مشى الإنسان إلى المسجد ، فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة ، وقد جاء ذلك مفسراً في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فأسبغ الوضوء ، ثم خرج من بيته إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة )(155) فسيكتب شيئين الأول : أنه يرفع له بها درجة .والثاني : أنه يحط بها عنه خطيئة . هذا إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء سواء كان ذلك قليلاً ـ يعني سواء كانت الخطوات قليلة ـ أم كثيرة ، فإنه يكتب له بكل خطوة شيئان : يرفع بها درجة ، ويحط عنه بها خطيئة .
وفي هذا الحديث دليل على أنه نقل للإنسان شيء عن أحد ، فإنه يثبت قبل أن يحكم بالشيء ، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بني سلمة قبل أن يقول لهم شيئاً ، قال : بلغني أنكم تريدون كذا وكذا . قالوا : نعم . فيؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان إذا نقل له شيء عن أحدٍ أن يثبت قبل أن يحكم بمقتضى الشيء الذي نقل له ، حتى يكون إنساناً رزيناً ثقيلاً معتبراً ، أما كونه يصدق بكل ما نقل ، فإنه يفوته بذلك الشيء الكثير ، ويحصل له ضرر ، بل الإنسان ينبغي عليه أن يثبت .
وفي هذا الحديث أيضاً دليل على كثرة طرق الخيرات ، وأن منها المشي إلى المساجد ، وهو كما سبق مما يرفع الله به الدرجات ، ويحط به الخطايا ، فإن كثرة الخطايا إلى المساجد سبب لمغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات ، ورفعه الدرجات . والله الموفق .


(152) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب ، فضل كثرة الخطا إلى المساجد، رقم (664) .
(153) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب ، فضل كثرة الخطا إلى المساجد ،رقم (665) .
(154) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان رقم (655، 656) .
(155) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة باب الصلاة في مسجد السوق ، رقم (478) .

الموضوع التالي


137 ـ الحادي والعشرون : عن أبي المنذر أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه ، وكان لا تخطئه صلاة ، فقيل له ، أو فقلت له اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء ، فقال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد ، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد جمع الله لك ذلك كله ) رواه مسلم . وفي رواية : ( إن لك ما احتسبت )(156) . ( الرمضاء ) : الأرض التي أصابها الحر الشديد .

الموضوع السابق


135 ـ التاسع عشر : عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة ) . رواه مسلم(148) . وفي رواية له : ( فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسـان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )(149) . وفي رواية له : ( لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً ، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة )(150) وروياه جميعاً من رواية أنس رضي الله عنه (151). قوله ( يرزؤه ) أي ينقصه .