139 ـ الثالث والعشرون : عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) متفق عليه(157) . وفي رواية لهما عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة )(158) .
 
هذا الحديث في بيان من طرق الخيرات ، لأن طرق الخيرات ـ ولله الحمد ـ كثيرة ، شرعها الله لعباده ليصلوا بها إلى غاية المقاصد ، فمن ذلك الصدقة ، فإن الصدقة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )(159) يعني كما لو أنك صببت ماءٍ على النار انطفأت ، فكذلك الصدقة تطفئ الخطيئة.
ثم ذكر المؤلف هذا الحديث الذي بين فيه أن الله سبحانه وتعالى سيكلم كل إنسان على حدة يوم القيامة ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ) (الانشقاق:6) ، يعني سوف تلاقي ربك ويحاسبك على هذا الكدح ، أي الكد والتعب الذي عملت ، ولكن بشرى للمؤمن ، كما قال الله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة:223) ، الحمد لله. المؤمن إذا لاقى ربه فإنه على خير .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث : ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ) يعني بكلمة الله يوم القيامة بدون مترجم ، يكلم الله كل عبد مؤمن ، فيقرره بذنوبه ، يقول له : عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، فإذا أقر بها وظن أنه قد هلك ، قال : ( إني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ) (160) فكم من ذنوب علينا سترها الله عز وجل لا يعلمها إلا هو ، فإذا كان يوم القيامة أتم علينا النعمة بمغفرتها وعدم العقوبة علينا . ولله الحمد .
ثم قال : ( فينظر أيمن منه ) يعني عن يمينه ( فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشام منه ) أي عن يساره ( فلا يرى إلا ما قدم ،وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ) . قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) يعني ولو بنصف تمرة أو قل . أتق النار بهذا .
ففي هذا الحديث دليل على كلام الله عز وجل ، وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام مسموع مفهوم ، لا يحتاج إلى ترجمة ، يعرفه المخاطب به .
وفيه دليل على أن الصدقة ولو قلت تنجي من النار ، لقوله : ( اتقوا النار ولو شق تمرة ) .
قال : ( فإن لم يجد فبكلمة طيبة ) يعني إن لم يجد شق تمرة فليتق النار بكلمة طيبة .
والكلمة الطيبة تشمل قراءة القرآن ، فإن أطيب الكلمات القرآن الكريم . وتشمل التسبيح التهليل ، وكذلك تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتشمل تعليم العلم وتعلم العلم ، وتشمل كذلك كل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه من القول ، يعني إذا لم تجد شق تمرة فإنك تتقي النار ولو بكلمة طيبة . فهذا من طرق الخير وبيان كثرتها ويسرها ، فالحمد لله أن شق التمرة تنجي من النار ، وأن الكلمة الطيبة تنجب من النار . نسأل الله أن يجنبنا وإياكم من النار .


(156) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد ، رقم (663) .
(157) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب أتقوا النار ولو بشق تمرة ، رقم ( 1417) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ...، رقم (1016) .
(158) أخرجه البخاري كتاب التوحيد ، باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ، رقم (7512)، ومسلم كتاب ، الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ،... رقم ( 1016) .
(159) أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة ،رقم (2616)، وابن ماجة ، كتاب الفتن باب كف اللسان في الفتنة رقم (3973) وقال الترمذي: حسن صحيح .
(160) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب، ستر المؤمن على نفسه ، رقم (6070) ،ومسلم ،كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (2768) .


الموضوع السابق


137 ـ الحادي والعشرون : عن أبي المنذر أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه ، وكان لا تخطئه صلاة ، فقيل له ، أو فقلت له اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء ، فقال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد ، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد جمع الله لك ذلك كله ) رواه مسلم . وفي رواية : ( إن لك ما احتسبت )(156) . ( الرمضاء ) : الأرض التي أصابها الحر الشديد .