146 ـ وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال : ( ما هذا الحبل ؟ ) قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد ) متفق عليه(183) .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يعني المسجد النبوي ـ فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، أي بين عمودين ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا حبل لزينب تربطه ، فإذا تعبت من الصلاة تعلقت به من أجل أن تنشط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حلوه ) يعني أخروه وأزيلوه . ثم قال : ( ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد ) .
ففي هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعمق وأن يتنطع في العبادة ، أن يكلف نفسه ما لا تطيق ، بل يصلي ما دام نشيطاً ، فإذا تعب فليرقد ولينم ، لأنه إذا صلى مع التعب تشوش فكره وسئم ومل وربما كره العبادة ، وربما ذهب ليدعو لنفسه فإذا به يدعو عليها ، فلو سجد وأصابه النعاس ربما أراد أن يقول : رب اغفر لي ، قال : رب لا تغفر لي ، لأنه نائم ، فلهذا أمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بحل هذا الحبل ، وأمرنا أن يصلي الإنسان نشاطه ، فإذا تعب فليرقد .
وهذا وإن ورد في الصلاة فإنه يشمل جميع الأعمال ، فلا تكلف نفسك ما لا تطيق ، بل عامل نفسك بالرفق واللين ، ولا تتعجل الأمور، الأمور ربما تتأخر لحكمة يريدها الله عز وجل ، لا تقل أنا أريد أن أتعب نفسي ، بل انتظر وأعط نفسك حقها ، ثم بعد ذلك يحصل لك المقصود .
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة ، حيث تجده مثلاً يطالع في دروسه وهو نعسان ، فيتعب نفسه ولا يحصل شيئاً ، لأن الذي يراجع وهو نعسان لا يستفيد ، وإن ظن أنه يستفيد فإنه لا يستفيد شيئاً أبداً ؛ ولهذا ينبغي على الإنسان إذا أصابه النعاس وهو يراجع كتباً ـ سواء كتباً منهجية أو غير ذلك ـ ينبغي له أن يغلق الكتاب ، وأن ينام ويستريح .
وهذا يعم جميع الأوقات ، حتى لو فرض أن الإنسان أصابه النعاس بعد صلاة العصر وأراد أن يرقد ويستريح فلا حرج ، أو بعد صلاة الفجر وأراد أن يرقد ويستريح فلا حرج ، كلما أتاك النوم فنم ، وكلما صرت نشيطاً فاعمل ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح:7،8 ، كل الأمور اجعلها بالتيسير ، إلا ما فرض الله عليك فلابد أن يكون في الوقت المحدد له ، وأما الأمور التطوعية فالأمر فيها واسع ، لا تتعب نفسك في شيء . نسأل الله أن يعيني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته .


(183) أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب ما يكره من التشديد في العبادة ، رقم (1150) ومسلم ، كتاب الصلاة المسافرين ، باب أمر من نعس في صلاته .. رقم (784) .

الموضوع السابق


145 ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الذين يسر ، ولن يشاد الدين إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ابشروا ، استعينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة ) رواه البخاري (177). وفي رواية له : ( سددوا وقاربوا اغدوا وروحوا ، وشيءٍ من الدلجة القصد القَصد تبلغوا ) (178). قوله : ( الذين ) هو مرفوع على ما لم يسم فاعله . وروي منصوباً ، وروي : ( لن يشاد الدين أحد ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا غلبه ) أي: غلبه الدين ، وعجز ذلك المشاد عن مقاومة الدين لكثرة طرقه . (والغدوة ) سير أول النهار ، ( والروحة ): آخر النهار . ( والدلجة ) :آخر الليل . وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه: استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم ، بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون ، وتبلغون مقصود كم ، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات ويستريح هو ودابته في غيرها، فيصل المقصود بغير تعب . والله أعلم .