151 ـ وعن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب ، أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقيني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت نافق حنظلة ! قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً . قال أبو بكر رضي الله عنه : فو الله لنلقى مثل هذا ، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما ذاك ؟ ) قلت : يا رسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسبنا كثيراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظة ساعة وساعة ) ثلاث مرات ،رواه مسلم (188). قوله : ربعي ) بكسر الراء . ( والأسيدي ) بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشددة وقوله : (عافسنا ) هو بالعين والسين المهملتين ، أي عالجنا ولا عبنا . ( والضيعات ) : المعايش .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن حنظلة الكاتب ، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه قال : لقيني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقلت : نافق حنظلة ، يعني نفسه ، ومعنى نافق : يعني صار من المنافقين ، قال ذلك ظناً منه ـ رضي الله عنه ـ أن ما فعله نفاق ، فقال أبو بكر : وما ذاك ؟ فقال رضي الله عنه : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر بالجنة والنار حتى كأنا رأى عين ، يعني كأنما نرى الجنة والنار رأى عين من قوة اليقين ، حيث يخبرهم بذلك صلى الله عليه وسلم ، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد ، بل قد يكون أعظم ؛ لأنه خبر من اصدق الخلق صلوات الله وسلامه عليه ، وأعلم الخلق بالله .
فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، يعني لهونا معهم ونسينا ما كنا عليه عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر عن نفسه أنه يصيبه كذلك ، ثم ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وصلا إليه قال حنظلة : نافق حنظلة يا رسول الله ، قال : وما ذاك ؟ فأخبره بأنهم إذا كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فحدثهم عن الجنة والنار ، أخذهم من اليقين ما يجعلهم كأنهم يرونهما رأي العين ، ولكن إذا خرجوا عافسوا الأهل والأولاد والضيعات وتلهوا بهم نسوا كثيراً .
فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( والذي نفسي بيده ، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ) أي من شدة اليقين تصافحكم إكراماً لكم وتثبيتاً لكم ؛ لأنه كلما زاد يقين العيد ، فإن الله سبحانه وتعالى يثبته ويقويه ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ، ساعة وساعة . ساعة وساعة ) يعني ساعة للرب عز وجل ، وساعة مع الأهل والأولاد ، وساعة للنفس حتى يعطي الإنسان لنفسه راحتها ، ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم .
وهذا من عدل الشريعة الإسلامية وكمالها ، أن الله عز وجل له حق فيعطي حقه عز وجل ، وكذلك للنفس حق فتعطى حقها ، وللأهل حق فيعطون حقوقهم ، وللزوار والضيوف حق فيعطون حقوقهم ، حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة ، ويتعبد لله عز وجل براحة ، لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها مل وتعب ، وأضاع حقوقاً كثيرة .
وهذا كما يكون في العبادة وفي حقوق النفس والأهل والضيف ، يكون كذلك أيضاً في العلوم ، فإذا طلب الإنسان العلم ورأى في نفسه مللاً في مراجعة كتاب ما ، فلينتقل إلى كتاب آخر ، وإذا رأى من نفسه مللاً من دراسة فن معين ، فإنه ينتقل إلى دراسة فن آخر ، وهكذا يريح نفسه ، ويحصل علماً كثيراً . أما إذا أكره نفسه على الشيء حصل له من الملل والتعب ما يجعله يسأم وينصرف ، إلا ما شاء الله ؛ فإن بعض الناس يكره نفسه على المراجعة والمطالعة والبحث مع التعب ، ثم يأخذ عليه ويكون هذا دأبا له ، ويكون ديدناً له ، حتى إنه إذا فقد هذا الشيء ضاق صدره ، والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم .



(188) أخرجه مسلم ، كتابة التوبة ، باب فضل داوم الذكر والفكر في أمور الآخرة ... ،رقم (3750) .

الموضوع السابق


149 ـ وعن أبي جحبفة وهب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال : ما شأنك : قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا . فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له : كل فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال له : نم ،فنام . ثم ذهب يقوم فقال له : نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن . فصلينا جميعاً ، فقال له سلمان :إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( صدق سلمان ) . رواه البخاري (187).