قال الله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) (الحديد:16) ، وقال تعالى : ( وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) (الحديد:27) ، وقال تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ) (النحل:92) ، وقال تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) . وأما الأحاديث ؛ فمنها حديث عائشة : وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه وقد سبق في الباب قبله .
 
قال المؤلف رحمه الله : باب المحافظة على الأعمال : يعني الأعمال الصالحة .
لما ذكر ـ رحمه الله ـ باب الاقتصاد في الطاعة ، وأن الإنسان لا ينبغي أن يشق على نفسه في العبادة وإنما يكون متمشياً على هدى النبي صلى الله عليه وسلم أعقبه بهذا الباب الذي فيه المحافظة على الطاعة ، وذلك أن كثيراً من الناس ربما يكون نشيطاً مقبلاً على الخير فيجتهد ، ولكنه بعد ذلك يفتر ثم يتقاعس ويتهاون .
وهذا يجري كثيراً للشباب ، لأن الشاب يكون عنده اندفاع قوي أو تأخر شديد ؛ إذ إن غالب تصرفات الشباب إنما تكون مبنية على العاطفة دون التعقل ، فتجد الواحد منهم يندفع ويشتد في العبادة ، ثم يعجز أو يتكاسل فيتأخر ، ولهذا ينبغي للإنسان ـ كما نبه المؤلف رحمه الله ـ أن يكون مقتصداً في الطاعة غير منجرف ، وأن يكون محافظاً عليها لأن المحافظة على الطاعة دليل على الرغبة فيها ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ، فإذا حافظ الإنسان على عبادته واستمر عليها ؛ كان هذا دليلاً على محبته وعلى رغبته في الخير .
وقد ذكر المؤلف عدة آيات ، منها قوله تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ) (النحل:92) ، امرأة تغزل ، فغزلت غزلاً جيداً قوياً متيناً ، ثم بعد ذلك ذهبت تنقضه أنكاثاً ، حتى لم يبق منه شيء ، كذلك بعض الناس يشتد في العبادة ويزيد ، ثم بعد ذلك ينقضها فيدعها .
وكذلك ذكر ـ رحمه الله ـ عن بني إسرائيل قول الله عز وجل : (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) أي ما استمروا عليها ولا رعوها ، ولكنهم أهملوها ، وقال تعالى : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) (الحديد:16) ، يعني طال عليهم الأمد ـ أي الزمن ـ بالأعمال ، فقست قلوبهم وتركوا الأعمال والعياذ بالله ، فالمهم أن الإنسان ينبغي له أن يحافظ على العمل ، وألا يتكاسل وألا يدعه ، بل يستمر على ما هو عليه .
وإذا كان هذا في العبادة فهو أيضاً في أمور العادة ، فينبغي ألا يكون للإنسان كل ساعة وجهة ، وكل ساعة فكر ، بل يستمر ويبقى على ما هو عليه ما لم يتبين الخطأ ، فإن تبين الخطأ فلا يقر الإنسان نفسه على خطأ لكن ما دام الأمر لم يتبين فيه الخطأ ؛ فإن بقاءه على ما هو عليه أحسن ، وأدل على ثباته ، وعلى أنه رجل لا يخطو خطوة إلا عرف أين يضع قدمه وأين ينزع قدمه .
وبعض الناس لا يهتم بأمور العادة ، فتجد كل يوم له فكر ، وكل يوم له نظر ، وهذا يفوت عليه الوقت ولا يستقر نفسه على شيء ، ولهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال : من بورك له في شيء فليلزمه ، كلمة عظيمة ، يعني إذا بورك لك في شيء ، أي شيء يكون ؛ فالزمه ولا تخرج عنه مرة هنا ومره هنا ، فيضيع عليك الوقت ولا تبني شيئاً ، نسأل الله أن يثنتنا وإياكم على الحق ، وأن يجعلنا من دعاة الحق وأنصاره .