وقال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
 
نقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما ذكره من الآيات التي صدر بها باب المحافظة على اتباع السنة وآدابها قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره الله ـ عز وجل ـ أنه يهدي إلى صراط مستقيم ؛ يعني يدل إليه ويبينه للناس ، والصراط المستقيم بينه الله في قوله : (صِرَاطِ اللَّهِ ) يعني الصراط الذي نصبه الله ـ تعالى ـ لعباده ، هو شريعته ، وأضافه الله إلى نفسه ، لأنه هو الذي نصبه ، لأنه يوصل إليه ، كما أنه أضافه في سورة الفاتحة إلى الذين أنعم الله عليهم ، لأنهم هم الذين يسلكونه .
فالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يهدي الناس إلى الصراط ، ويدلهم عليه ، ويدعوهم إليه ، ويرغبهم في سلوكه ، ويحذرهم من مخالفته ، وهكذا من خلفه في أمته من العلماء الربانيين ، فإنهم يدعون إلى الصراط المستقيم ، صراط الله العزيز الحكيم .
فإذا قال قائل : ما الجمع بين هذه الآية : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وبين قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص:56) ، فإن هذه الآية نزلت حين اغتم النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ، وكان عمه أبو طالب مشركاً ، ولكنه كان يدافع عنه ، ويرفع منزلته ، ويذب عنه ، ويقول فيه المدائح والقصائد العظيمة ، ولكنه حرم خير الإسلام والعياذ بالله ، ومات على الكفر .
قال أهل العلم : الجمع بينهما أن الآية التي وفيها إثبات الهداية يراد بها هداية الدلالة ، يعني أنك تدل الخلق ، وليس كل من دل على الصراط اهتدى ، وأما الهداية التي نفى الله عن رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فهي هداية التوفيق ، لا أحد يستطيع أن يوفق أحد للحق ، ولو كان أباه ، أو أبنه أو عمه ، أو أمه ، أو خاله ، أو جدته ، أبداً ، من يضلل الله فلا هدي له .
ولكن علينا أن ندعو عباد الله إلى دين الله ، وأن نرغبهم فيه ، وأن نبينه لهم ، ثم إن اهتدوا فلنا ولهم ، وإن لم يهتدوا فلنا وعليهم ، قال الله تعالى : ( طسَمَ (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء :1-3) ، يعني لعلك تهلك نفسك بالهم والغم ، إذا لم يكونوا مؤمنين ، فلا تفعل ، إن الهداية بيد الله ، بل أدّ ما عليك وقد برئت ذمتك ، والله الموفق .