163ـ الثامن : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي ) رواه مسلم (218). ( الجنادب ) : نحو الجراد والفراش ، هذا هو المعروف الذي يقع في النار ، و( الحجز ) : جمع حجزة ، وهي معقد الإزار والسراويل .
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن جابر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ) أراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه الصلاة والسلام ، وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية ، أوقد ناراً ، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها . والجنادب : نزع من الجراد ، أما الفراش فمعروف ، ( يقعن فيها ) لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة ، إذا أوقد إنسان ناراً في البر ؛ فإنها تأوي إلى هذا الضوء . قال : ( وأنا آخذ بحجزكم ) يعني لأمنعكم من الوقوع فيها ، ولكنكم تفلتون من يدي .
ففي هذا دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم ـ جزاه الله عنا خيراً ـ على حماية أمته من النار ، وأنه يأخذ بحجزها ويشدها حتى لا تقع في هذه النار ، ولكننا نفلت من ذلك ، ونسأل الله أن يعاملنا بعفوه . فالإنسان ينبغي له أن ينقاد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون لها طوعاً ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يدل على الخير واتقاء الشر ، كالذي يأخذ بحجزة غيره ، يأخذ بها حتى لا يقع في النار ، لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما وصفه الله في كتابه : ( لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) ، صلوات الله وسلامه عليه .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان ـ بل يجب ـ أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به ، وفي كل ما نهى عنه ، وفي كل ما فعله ، وفي كل ما تركه ، يلتزم بذلك ، ويعتقد أنه الإمام المتبوع صلوات الله وسلامه عليه ، لكن من المعلوم أن من الشريعة ما هو واجب يأثم الإنسان بتركه ، وما هو محرم يأثم بفعله ،ومنها ما هو مستحب ؛ إن فعله فهو خير وأجر ، وأن تركه فلا أثم عليه . وكذلك من الشريعة ما هو مكروه كراهة تنزيه ؛ إن تركه الإنسان فهو خير له ، وإن فعله فلا حرج عليه ، لكن المهم أن تلتزم بالسنة عموماً ، وأن تعتقد أن أمامك ومتبوعك هو محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ليس هناك سبيل إلى النجاة إلا باتباعه ، والسير في طريقه ، والتمسك بهديه .
ومن فوائد هذا الحديث : بيان عظم حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، وأنه كان لا يألو جهداً في منعها وصدها عن كل ما يضرها في دينها ودنياها ، كما يكون صاحب النار التي أوقدها وجعل الجنادب والفراش تقع فيها وهو يأخذ بها .
وبناءً على ذلك ، فإذا رأيت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء ؛ فأعلم أن فعله شر ، ولا تقل هل هو للكراهة أم هو للتحريم ، اترك ما نهى عنه ، سواء كان للكراهة أو للتحريم ، ولا تعرض نفسك للمساءلة لأن الأصل في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه للتحريم ، إلا إذا قام دليل على أنه للكراهة التنزيهية .
وكذلك إذا أمر بشيءٍ ، فلا تقل هذا واجب أو غير واجب ، افعل ما أمر به ، فهو خير لك ، إن كان واجباً فقد أبرأت ذمتك ، وحصلت على الأجر ، وإن كان مستحباً فقد حصلت على الأجر ، وكنت متبعاً تمام الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم إتباعه ظاهراً وباطناً .


(218) أخرجه مسلم ، كتاب الفضائل ، باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ... ، رقم (2285) .

الموضوع التالي


164ـ التاسع : عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال : ( إنكم لا تدرون في آيه البركة ) رواه مسلم(219) . وفي رواية له : ( إذا وقعت لقمة أحدكم . فيأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة )(220) . وفي رواية له : ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ، ولا يدعها للشيطان )(221) .

الموضوع السابق


162ـ السابع : عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا . وأصاب طائفة منا أخرى ، أنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) متفق عليه (217) . ( فقه ) بضم القاف على المشهور ، وقيل بكسرها ، أي صار فقيهاً .