164ـ التاسع : عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال : ( إنكم لا تدرون في آيه البركة ) رواه مسلم(219) . وفي رواية له : ( إذا وقعت لقمة أحدكم . فيأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة )(220) . وفي رواية له : ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ، ولا يدعها للشيطان )(221) .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم في آداب من آداب الأكل ، منها : إن الإنسان إذا فرغ من أكله فإنه يلعق أصابعه ويلعق الصفحة ، يعني يلحسها حتى لا يبقى فيها أثر الطعام ، فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ، فهذان أدبان :
الأول : لعق الصفحة ، والثاني : لعق الأصابع ، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يأمر أمته بشيء إلا وفيه الخير والبركة .
ولهذا قال الأطباء : إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة ؛ وهو تيسير الهضم ؛ لأن الأنامل فيها مادة ـ بإذن الله ـ تفرزها عند اللعق بعد الطعام تيسر الهضم ، ونحن نقول : هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به ، وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، كثير من الناس لا يفهمون هذه السنة ، تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حوله كلها طعام ، تجده أيضاً يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه ، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعقها وينظفها من الطعام ، ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ، ثم بعد ذلك يغسلها إذا شاء .
كذلك أيضاً من آداب الأكل : أن الإنسان إذا سقطت لقمه على الأرض فإنه لا يدعها ؛ لأن الشيطان يحضر للإنسان في جميع شؤونه ، كل شؤونك من أكل ، وشرب ، وجماع ، أي شيء يحضر الشيطان ، فإذا لم تسم الله عند الأكل شاركك في الأكل ، وصار يأكل معك ؛ ولهذا تنزع البركة من الطعام إذا بم تسم عليه ، وإذا سميت الله على الطعام ، ثم سقطت اللقمة من يدك فإن الشيطان يأخذها ، ولكن لا يأخذها ونحن ننظر ، لأن هذا شيء غيبي لا نشاهده ، ولكننا علمناه بخبر الصادق المصدوق ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأخذ الشيطان فيأكلها ، وإن بقيت أمامنا حسياً ، لكنه يأكلها غيباً ، هذه من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها .
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلنا على الخير فقال : ( فليأخذها وليمط ما بها من أذى ، وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان ) خذها وأمط ما بها من أذى ـ من تراب أو عيدان أو غير ذلك ـ ثم كلها ولا تدعها للشيطان . والإنسان إذا فعل هذا امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعاً لله عز وجل وحرماناً للشيطان من أكلها ؛ حصل على هذه الفوائد الثلاثة : الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، والتواضع ، وحرمان الشيطان من أكلها. هذه فوائد ثلاث ، ومع ذلك فإن أكثر الناس إذا سقطت اللقمة على السفرة أو على سماط نظيف تركها ، وهذا خلاف السنة .
وفي هذا الحديث من الفوائد : أنه لا ينبغي للإنسان أن يكل طعاماً فيه أذى ، لأن نفسك عندك أمانة ، لا تأكل شيئاً فيه أذى ، من عيدان أو شوك أو ما أشبه ذلك ، وعليه فإننا نذكر الذين يأكلون السمك أن يحتاطوا لأنفسهم ، لأن السمك لها عظام دقيقة مثل الإبر ، إذا لم يحترز الإنسان منها ، فربما تخل إلى بطنه وتجرح معدته أو أمعاءه وهو لا يشعر ، لهذا ينبغي للإنسان أن يراعي نفسه ، وأن يكون لها أحسن راع ، فصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .


(219) أخرجه مسلم ، كتاب الأشربة ، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... ، رقم (2033) .
(220) أخرجه مسلم ، كتاب الأشربة ، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... ، رقم (2033) .
(221) أخرجه مسلم ، كتاب الأشربة ، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... ، رقم (2033) .

الموضوع التالي


165 ـ العاشر : عن أبن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : ( يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء: 104) ، ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ؛ فأقول : يا رب أصحابي ؛ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) إلى قوله ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (المائدة:117-118) فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه(222) . ( غرلاً ) : أي غير مختونين .