166 ـ الحادي عشر : عن أبي سعيد عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال : (إنه لا يقتل الصيد ، ولا يتكأ العدو ، وإنه يفقأ العين ، ويكسر السن) متفق عليه (227). وفي رواية : أن قريباً لابن مغفل حذف ؛ فنهاه وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال : ( إنها لا تصيد صيداً ) ثم عاد فقال : أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ثم عدت تحذف !؟ لا أكلمك أبداً (228).
 
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن عبد الله بن مغفلٍ ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف ، وقال : ( إنه يقتل صيداً ) وفي لفظ : ( لا يصيد صيداً ) ( ولا ينكأ عدواً ، وإنما يفقأ العين ويكسر ) .
والحذف : قال العلماء : معناه أن يضع الإنسان حصاه بين السبابة والإبهام ، فيضع على الإبهام حصاة يدفعها بالسبابة ، أو يضع على السبابة ويدفعها بالإبهام . وفد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك بأنه يفقأ العين وكسر السن إذا أصابه ، ( ولا يصيد الصيد ) لأنه ليس له نفوذ ( ولا ينكأ العدو ) يعني لا يدفع العدو ؛ لأن العدو إنما ينكأ بالسهام لا بهذه الحصاة الصغيرة .
ثم إن قريباً له خرج بخذف ، فنهاه عن الخذف وقال : أخبرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، ثم إنه رآه مرة ثانية يخذف فقال له : ( أخبرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، فجعلت تخذف !! لا أكلمك أبداً ) فهجره ؛ لأنه خالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا كما فعل عبد بن عمر في أحد أبنائه ، حين حدث أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) . فقال أحد أبنائه وهو بلال بن عبد الله بن عمر : ( والله لنمنعهن ) ؛ لأن النساء تغيرت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والناس تغيروا ، فقال بلال:( والله لنمنعهن ) . فأقبل عليه أبوه عبد الله ابن عمر ، وجعل يسبه سباً عظيماً ، ما سبه مثله قط ، وقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن (229).
ثم هجره حتى مات ، لم يكلمه ، فدل هذا على عظم تعظيم السلف الصالح لأتباع السنة .
فهذا عبد الله بن مغفل أقسم أن لا يكلم قريبه ؛ لأنه حذف ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف ، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يعظم سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
ولكن إذا قال قائل : هل مثل الأمر يوجب الهجر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هجر المؤمن فوق ثلاث ؟ (230).
فالجواب عن هذا : أن هذين الصحابيين ـ وأمثالهما ممن فعل مثل فعلهما ـ فعلا ذلك من باب التعزير ، ورأيا في هذا تعزير لهذين الرجلين ، وإلا فالأصل أن المؤمن إذا فعل ذنباً وتاب منه ، فإنه يغفر له ما سلف ، حتى الكفار إذا تابوا غفر الله لهم ما سبق .
قال الله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) (الأنفال: من الآية38) كل ما مضى .
ولكن نظراً لأن هذين الصحابيين رضي الله عنهما ، أرادا أن يعزرا من خالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، إما بقوله وما بفعله ، ولو عن اجتهاد لأن بلال بن عبد الله بن عمر ، إنما قال ذلك عن اجتهادٍ ، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعارض قول الرسول هذه المعارضة الظاهرة ، ولو أنه قال مثلاً : لعل النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهن في زمن كانت النيات فيه سليمة ، والأعمال مستقيمة ، وتغيرت الأحوال بعد ذلك ، وأتى بالكلام على هذا الوجه ، لكان أهون .
ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها ـ وهي فقيهة ـ :لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء من بعده لمنعهن ـ يعني من المساجد ـكما منعت بنو إسرائيل نساءها . ولكن على كل حال ما فعله عبد الله بن مغفل ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، يدل على تعظيم السنة ، وأن الإنسان يجب أن يقول في حكم الله ورسوله : سمعنا وأطعنا . والله الموفق .



(227) أخرجه البخاري ،كتاب الأدب ، باب النهي عن الخذف ، رقم (6220) ، ومسلم كتاب الصيد والذبائح ، باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف ، رقم (1954) .
(228) أخرجه البخاري ، كتاب الذبائح والصيد ، باب الخذف والبندقة ، رقم (5479)، ومسلم ، كتاب الصيد والذبائح ، باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو وكراهة الخذف ، رقم (1954) . واللفظ لمسلم .
(229) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب خروج النساء إلى المساجد ,,, ، رقم (442) .
(230) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب باب الهجرة ، رقم (6076 ، 6077) ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب النهي عن التباغض والتحاسد والتدابر ، رقم (2559) .

الموضوع السابق


165 ـ العاشر : عن أبن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : ( يا أيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء: 104) ، ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ؛ فأقول : يا رب أصحابي ؛ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) إلى قوله ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (المائدة:117-118) فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه(222) . ( غرلاً ) : أي غير مختونين .