169 ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه(240) . |
أما حديث عائشة هذا فهو نصف العلم ؛ لأن الأعمال إما ظاهرة وإما باطنة ، فالأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )(241) ، وميزان الأعمال الظاهرة حديث عائشة هذا : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على صاحبه غير مقبول منه .
وقول : ( أمرنا ) المراد به ديننا وشرعنا ، قال الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) (الشورى:52) ، فأمر الله المراد به في هذا الحديث شرع الله ، من أحدث فيه ما ليس منه فهو رد ، وفي هذا دليل واضح على أن العبادة إذا لم نعلم أنها من دين الله فهي مردودة ، ويستفاد من هذا أنه لابد من العلم ؛ لأن العبادة مشتملة على الشروط والأركان ، أو غلبة الظن إذا كان يكفي عن العلم ، كما في بعض الأشياء ، مثلاً الصلاة إذا شككت في عددها وغلب على ظنك عدد فابن على ما غلب على ظنك ، الطواف بالبيت سبعة أشواط ، وإذا غلب على ظنك عدد فابن على ما غلب على ظنك ، كذلك الطهارة إذا غلب على ظنك أنك أسبغت الوضوء كفى . فالمهم أنه لابد من العلم أو الظن إذا دلت النصوص على كفايته وإلا فالعبادة مردود ة . وإذا كانت العبادة مردودة فإنه يحرم على الإنسان أن يتعبد لله بها ؛ لأنه إذا تعبد لله بعبادة لا يرضاها ولم يشرعها لعباده صار كالمستهزئ بالله والعياذ بالله . حتى إن بعض العلماء قال : إن الإنسان إذا صلى محدثاً متعمداً خرج من الإسلام ؛ لأنه مستهزئ ، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه ويعيد . وفي اللفظ الثاني : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )(242) وهو أشد من الأول ؛ لأنه قوله : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) يعني لابد أن نعلم بأن كل عمل عملناه عليه أمر الله ورسوله وإلا فهو مردود ، وهو يشمل العبادات ويشمل المعاملات ، ولهذا لو باع الإنسان بيعاً فاسداً ، أو رهن رهناً فاسداً، أو أوقف وقفاً فاسداً ، فكله غير صحيح ومردود على صاحبه ولا ينفذ ، والله أعلم . (240) أخرجه البخاري ، كتاب الصلح ، باب إذا اصطلحوا على صلح جور ... رقم (2697) ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ، رقم (1718) . (241) تقدم تخريجه . (242) أخرجه مسلم ، كتاب الأقضية ، باب الأحكام الباطلة ، رقم (1718) . |