176- وعن أنس - رضي الله عنه- أن فتى من اسلم قال : يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما اتجهز به؟ قال :" أئت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض" فقال: يا فلانةُ أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسى منه شيئاً، فواالله لا تحبسين منه شيئاً فيبارك لك فيه " رواه مسلم[254].
 
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف فيه الدلالة على الخير، فإن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسم ليطلب منه أن يتجهز إلى الغزو، فأرشده النبي صلى الله عليه وسمل ودله على رجل كان قد تجهز براحلته وما يلزمه لسفره ولكنه مرض، فلم يتمكن من الخروج إلى الجهاد، فجاء الرجل إلى صاحبه الذي كان قد تجهز فأخبره بما قال النبي صلى الله عليه وسمل ، فقال لامرأته: أخرجي ما تجهزت به ولا تحبسي منه شيئاً ، فو الله لا تحبسين منه شيئاً فيُبارك لنا فيه.
ففي هذا دليلٌ على أن الإنسان إذا دلّ أحداً على الخير فإنه يثاب على ذلك، وقد سبق أن " من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله" [255].
وفيه دليلٌ أيضاً على أن من أراد عملاً صالحاً فحبسه عنه مرض، فإنه ينبغي أن يدفع ما بذله لهذا العمل الصالح إلى من يقوم به حتى يكتب له الأجر كاملاً؛ لأن الإنسان إذا مرض وقد أراد العمل وتجهز له، ولكن حال بينه وبين العمل مرضه، فإنه يكتب له الأجر كاملاً ولله الحمد، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: 100).
وفيه دليلٌ أيضاً من كلام الصاحبة - رضي الله عنهم - أن الإنسان إذا بذل الشيء في الخير فإن الأفضل أن ينفذه، فمثلاً لو أردت أن تتصدق بمال، وعزلت المال الذي تريد أن تتصدق به أو تبذله في مسجد، أو في جمعية خيرية أو ما أشبه ذلك، فلك الخيار أن ترجع عما فعلت؛ لأنه ما دام الشيء لم يبلغ محله فهو بيدك، ولكن الأفضل أن تنفذه وألا ترجع فيما أردت من أجل أن تكون من السباقين إلى الخير ، والله الموفق.




254 أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته رقم (1731).
255 أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، رقم (1894)
256 أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ، رقم (1893).

الموضوع السابق


175- وعن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:" لاُعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله في يديه، يحبُ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسولهُ" فبات الناسُ يدوكُون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلهم يرجو أن يعطاها، فقال :"أين على بن أبي طالب؟" فقيل : يا رسول الله هو يشتكي عينيه قال:" فأرسلوا إليه" فأتى به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا لهُ، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع فأعطاهُ الرايةُ، فقال على- رضي الله عنه-: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال:" انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يحبُ عليهم من حق الله تعالى فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمرِ النعم" متفق عليه [251].