182- الثاني : عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: " بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم" متفقٌ عليه[275]. 183- الثالث: عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبٌ لنفسه" متفق عليه [276] .
 
قال المؤلف رحمه الله - عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم؛ هذه ثلاثة أشياء : حق محض لله، وحق للآدمي محض، وحق مشترك ، أما الحق المحض لله ؛ فهو قوله" أقام الصلاة".
ومعني " إقام الصلاة " أن يأتي بها الإنسان مستقيمة على الوجه المطلوب ، فيحافظ عليها في أوقاتها، ويقوم بأركانها وواجباتها وشروطها ، ويتمم ذلك بمستحباتها.
ومن هذا بالنسبة للرجال إقامة الصلاة في المساجد مع الجماعة، فإن هذا من إقامة الصلاة، ومن تخلف عن الجماعة بلا عذر فهو آثم، بل هو عند بعض العلماء - كشيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - إذا صلى بدون عذر مع غير الجماعة؛ فصلاته باطلة مردودة عليه، لا تقبل منه، ولكن الجمهور هو على أنها تصح مع الإثم، وهذا هو الصحيح، فمن ترك صلاة الجماعة بلا عذر ؛ فصلاته صحيحة ولكنه آثم، وهذا هو القول الراجح وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد- رحمه الله - وهو الذي عليه جمهور من قالوا بوجوب صلاة الجماعة.
ومن إقامة الصلاة: الخشوع فيها ، والخشوع هو حضور القلب وتأمله بما يقوله المصلي وما يفعله ، وهو أمر مهم؛ لأن الصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح ، فأنت إذا صليت وقلبك يدور في كل وادٍ فإنك تصلي حركات بدنيه فقط، فإذا كان قلبك حاضراً تشعر كأنك بين يدي الله عزّ وجلّ، تناجيه بكلامه ، وتتقرب إليه بذكره ودعائه، فهذا هو لبُّ الصلاة روحها.
وأما قوله :" إيتاء الزكاة" يعني : إعطاءها لمستحقها، وهذه جامعة بين حق الله وحق العباد، أما كونها حقاً لله فلأن الله فرض على عباده الزكاة وجعلها من أركان الإسلام، وأما كونها حقاً للآدمي فلما فيها من قضاء حوائج المحتاجين، وغير ذلك من المصالح المعلومة في معرفة أهل الزكاة.
وأما قوله:" النصح لكل مسلم" فهذا هو الشاهد من الحديث للباب، أي: أن ينصح لكل مسلم: قريب أو بعيد ، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى.
وكيفية النصح لكل مسلم هي ما ذكره في حديث أنس- رضي الله عنه-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هذه هي النصيحة أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك، بحث يسرك ما يسرهم، ويسوءك ما يسوؤهم، وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وهذا الباب واسع كبير جداً.
فنفى النبي عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه في كل شيء، ونفي الإيمان قال العلماء : المراد به نفي الإيمان الكامل، يعني لا يكمل إيمانك حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك ، وليس المراد انتفاء الإيمان بالكلية.
ويذكر أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه حين بايع النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم، أنه اشترى فرساً من شخص بدراهم، فلما اشتراه وذهب به وجد أنه يساوي أكثر، فرجع إلى البائع وقال له: إن فرسك يساوي أكثر، فأعطاه ما يرى أنها قيمته، فانصرف وجرّب الفرس فإذا به يجده يساوي أكثر مما أعطاه أخيراً، فرجع إليه وقال له : إن فرسك يساوي أكثر فأعطاه ما يرى أنها قيمته، وكذلك مرة ثالثة حتى بلغ من مائتي درهم إلى ثمان مائة درهم؛ لأنه بايع الرسول صلى الله عليه وسمل على النصح لكل مسلم، وإذا بايع النبي صلى الله عليه وسلم أحد على شيء لا يختص به فهو عام لجميع الناس، كل الناس مبايعون الرسول عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم؛ بل على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم ، والمبايعة هنا بمعنى المعاهدة؛ لأن المبايعة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ )(الفتح: 10) ، وسميت مبايعة ؛ أن كلاًّ من المتبايعين يمدُ باعه إلى الآخر ، يعني يده من أجل أن يمسك بيد الآخر ، ويقول : بايعتك على كذا وكذا، والله الموفق.


275 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :" الدين النصيحة"، رقم (57)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، بيان أن الدين النصيحة ، رقم (56)
276 تقدم تخريجه ص (184)

الموضوع التالي


23- باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) ، وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران:110)، وقال تعالي: )خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199) وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر)(التوبة:71) ، وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79).