197- الرابع عشر : : عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهُ- قال: يا أيها الناسُ أنكم لتقرؤون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة:105)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" رواه أبو داود والترمذي[306]، والنسائي بأسانيد صحيحة.
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى-فيما نقله عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: إما بعد أيها الناس، فإنكم تقرؤون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمَْ) (المائدة: 105)، وهذه الآية ظاهرها أن الإنسان إذا اهتدى بنفسه فإنه لا يضره ضلالُ الناس؛ لأنه استقام بنفسه، فإذا استقام بنفسه فشأن غيره على الله عزّ وجلّ. فقد يفسرها بعض الناس ويفهم منها معنى فاسداً، يظن أن هذا هو المراد بالآية الكريمة وليس كذلك، فإن الله اشترط لكون من ضلّ لا يضرنا أن نهتدي فقال: (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمَْ).
ومن الاهتداء : أن نأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، فإذا كان هذا من الاهتداء، فلابد أن نسلم من الضرر، وذلك بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قال رضي الله عنه : وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أو فلم يأخذوا على يد الظالم ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" يعني أنهم يضرهم من ضلّ إذا كانوا يرون الضال ولا يأمرونه بالمعروف، ولا ينهونه عن المنكر، فإنه يوشك أن يعمهم الله بالعقاب؛ الفاعل والغافل، الفاعل للمنكر، والغافل الذي لم ينه عن المنكر.
وفي هذا دليلٌ على أنه يجب على الإنسان العناية بفهم كتاب الله عزّ وجلّ، حتى لا يفهمه على غير ما أراد الله، وأن الناس قد يظنون المعنى على خلاف ما أراد الله في كتابه ، فيضلوا بتفسير القرآن، ولهذا جاء في الحديث الوعيد على من قال في القرآن برأيه، أي فسره بما يرى ويهوى ، لا بمقتضى اللغة العربية والشريعة الإسلامية، فإذا فسر الإنسان القرآن بهواه ورأيه فليتبوأ مقعده من النار.
أما من فسره بمقتضى اللغة العربية، وهو ممن يعرف اللغة العربية، فهذا لا إثم عليه؛ إن القرآن نزل باللسان العربي، فيفسر بما يدل عليه .وكذلك إذا كانت الكلمات قد نقلت من المعنى اللغوى إلى المعنى الشرعي، وفسرها بمعناها الشرعي فلا حرج عليه.
فالمهم أنه يجب على الإنسان أن يكون فاهماً لمراد الله عزّ وجلّ في كتابه ، وكذلك لمراد النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، حتى لا يفسرهما إلا بما أراد الله ورسوله، والله الموفق.


306 أخرجه أبو داود ، كتاب الفتن والملاحم، باب الأمر والنهي، رقم (4338) ، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ، رقم (2168) ، وقال حديث صحيح ، وابن ماجه ، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم (4005)، وأحمد في المسند (1/2).

الموضوع التالي


24- باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهي عن منكر وخالف قوله فِعله قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44) ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2،3) ، وقال تعالى إخباراً عن شُعيب صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(هود:88).