24- باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهي عن منكر وخالف قوله فِعله قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44) ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2،3) ، وقال تعالى إخباراً عن شُعيب صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(هود:88).
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى-: باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف فعله قوله" لما كان الباب الذي قبله في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كان المناسب ذكر هذا الباب في تغليظ عقوبة من أمر بمعروف ولم يفعله، أو نهى عن منكر وفعله - والعياذ بالله - وذلك أن من هذه حالة ، لا يكون صادقاً في أمره ونهيه؛ لأنه لو كان صادقاً في أمره، معتقداً أن ما أمر به معروف، وأنه نافع؛ لكان هو أول من يفعله لو كان عاقلاً. وكذلك لو نهى عن منكر وهو يعتقد أنه ضار، وأن فعله إثم؛ لكان أول من يتركه لو كان عاقلاً. فإذا أمر بمعروف ولم يفعله، أو نهى عن منكر وفعله؛ علم أن قوله هذا ليس مبنياً على عقيدة والعياذ بالله .
ولهذا أنكر الله على فعل ذلك فقال تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44) والاستفهام هنا للإنكار ، يعني : كيف تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم فلا تفعلونه، وأنتم تتلون الكتاب وتعرفون البر من غير البر ( أَفَلا تَعْقِلُونَ؟)هذا الاستفهام للتوبيخ؛ يقول لهم : كيف يقع منكم هذا الشيء؟ أين عقولكم لو كنتم صادقين؟
مثال ذلك : رجل يأمر الناس بترك الربا، ولكنه يتعامل به أو يفعل ما هو أعظم منه فهو يقول للناس مثلاً: لا تأخذوا الربا في معاملات البنوك، ثم يذهب هو فيأخذ الربا بالحيلة والمكر والخداع، ولم يعلم أن ما وقع هو فيه من الحيلة والمكر والخداع أكبر ذنباً ، وأعظم إثماً، ممن أتى الأمر على وجهه.
ولهذا قال أيوب السختياني- رحمه الله - في أهل الحيل والمكر : " أنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون" وصدق رحمه الله .
كذلك أيضاً رجل يأمر الناس بالصلاة، ولكنه هو نفسه لا يصلي!! فيكيف يكون هذا؟ كيف تأمر بالصلاة، وترى أنها معروف ، ثم لا تصلي؟ هل هذا من العقل ؟ ليس من العقل فضلاً أن يكون من الدين ، فهو مخالف للعقل ، وسفه في الدين نسأل الله العافية.