وقال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)
 
ذكر المؤلف- رحمه الله - قوله تعالى: : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) عرض الله الأمانة وهي التكليف والإلزام بما يجب ، على السموات والأرض والجبال، ولكنها أبت أن تحملها لما فيها من المشقة، ولما تخشى هذه الثلاثة - الأرض والجبال والسموات - من إضاعتها .
فإن قال قائل: كيف يعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال ، وهي جماد ليس لها عقل ولا تشعر.
فالجواب: أن كلّ جماد فهو بالنسبة لله عزّ وجلّ عاقل يفهم ويمتثل. أرأيت إلى قوله تعالى فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى لما خلق القلم قال له " اكتب". فخاطب الله القلم وهو جماد ، وردّ عليه القلم قال: " وماذا اكتب؟" لأن الأمر مجمل، ولا يمكن الامتثال للأمر المجمل إلا ببيانه ، قال " اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة" فكتب القلب بأمر الله ما هو كائن إلى يوم القيامة[306]. هذا أمر وتكليف وإلزام.
فهنا بين الله عزّ وجلّ أنه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال ، فأبت أن تحملها.
وقال تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت:11)
، فخاطبها بالأمر وقال: ائتيا طوعاً أو كرهاً ، فقالتا : أتين طائعين. ففهمت السموات والأرض خطاب الله ، وامتثلتا وقالتا : أتينا طائعين ، وعصاه بني آدم يقولون: سمعنا وعصينا.وفضله به على كثير ممن خلق تفصيلا. والرسل الذين أرسلهم الله عز وجل للإنسان . ويبينوا لهم الحق من الضلال، فلم يبق لهم عذر، ولكن مع ذلك وصف الإنسان بأنه مظلوم جهول، فاختلف العلماء هل " الإنسان" هنا عام ، أم خاصّ بالكافر، فقال بعض العلماء : إنه خاص بالكافر ، فهو الظلوم الجهول. أما المؤمن فهو ذو عدل وعلم وحكمة ورشد. وقال بعض العلماء: بل هو عام والمراد الإنسان بحسب طبيعته ، أما المؤمن فإن اله من عليه بالهداية ، فيكون مستثنى من هذا ، وإياً كان فمن قام بالأمانة انتفى عنه وصف الظلم والجهالة التي في قول الله تعالى ( وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب:72)
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء ما حملناه ، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم.



306 أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، رقم (4700) ، والترمذي، كتاب القدر، باب رقم (17)حديث رقم (2155)، والإمام أحمد في المسند (5/317)