206- وعن عائشة رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه ُمن سبع أرضين" متفق عليه [332] . 5/207- وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم فإذا أخذهُ لم يفلتهُ ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَة)(هود:102)متفق عليه [333].
 
نقل المؤلف- رحمه الله - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ظلم من الأرض قيد شبر طُوقه يوم القيامة من سبع أرضين" هذا الحديث يتناول نوعاً من أنواع الظلم وهو الظلم في الأرضي. وظلم الأراضى من أكبر الكبائر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " لعن من غير منار الأرض" [334].
قال العلماء : منار الأرض حدودها؛ لأنه مأخوذ من " المنور" وهو العلامة، فإذا غير إنسان من هذه الأرض، بأن أدخل شيئاً من هذه الأرض إلى أرض غيره، فإنه ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسل م.
واللعنة: الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
وثمة عقوبة أخرى، وهو ما ذكره في هذا الحديث ؛ أنه إذا ظلم قيد شبر طُوقه يوم القيامة من سبع أرضين؛ لأن الأرضين سبع ، كما جاءت به السنة صريحاً، وكما ذكره الله تعالى في القرآن إشارة في قوله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ )(الطلاق:12) ، ومعلوم أن المماثلة هنا ليست في الكيفية؛ لأن بين السماء والأرض من الفرق كما بينهما من المسافة، السماء أكبر بكثير من الأرض، وأوسع ، وأعظم . قال الله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍَ) (الذريات:47) أي بقوة، وقال تعالى (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً) (النبأ:12) أي قوية.
فالإنسان إذا ظلم قيد شبر من الأرض فإنه يطوق من سبع أرضين يوم القيامة، أي يجعل له طوقاً في عنقه والعياذ بالله ، يحمله أمام الناس أمام العالم ، يخزي به يوم القيامة ، ويتعب به . وقوله :" قيد شبر من الأرض" ليس هذا على سبيل القيد، بل هو على سبيل المبالغة، يعني فإن ظلم ما دونه طُوقه أيضاً ، لكن العرب يذكرون مثل هذا للمبالغة، يعني ولو كان شيئاً قليلاً قيد شبر فإنه سيطوقه يوم القيامة.
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن من ملك الأرض ملك قعرها إلى الأرض السابعة، فليس لأحد أن يضع نفقاً تحت أرضك إلا بإذنك، يعني لو فرض أن لك أرضاً مسافتها ثلاثة أمتار بين أرضين لجارك، فاراد جارك أن يفتح نفقاً بين أرضيه ويمر من تحت أرضك، فليس له الحق في ذلك؛ لأنك تملك الأرض وما تحتها إلى ألأرض السابعة، كما أن الهواء لك إلى السماء، فلا أحد يستطيع أن يبني على أرضك سقفاً إلا بإذنك. ولهذا قال العلماء: الهواء تابع للقرار، والقرار ثابت إلى الأرض السابعة، فالإنسان له من فوق ومن تحت، لا أحد عليه يتجرأ.
قال أهل العلم : ولو كان عند جارك شجرة ، فامتدت أغصانها إلى أرضك، وصار الغصن على أرضك، فإن الجار يلويه عن أرضك، فإن لم يمكن ليه فإنه يقطع ، إلا بإذن منك وإقرار ؛ لأن الهواء لك وهو تابع للقرار.
أما حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه - فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله ليملي للظالم ، فإذا أخذه لم يفلته" يملي له: يعني يُمهل له حتى يتمادى في ظلمه والعياذ بالله ، فلا يعالجه العقوبة ، وهذا من البلاء نسأل الله أن يعيذنا وإياكم . فمن الاستدراج أن يملى للإنسان في ظلمه ، فلا يعاق له سريعاً حتى تتكدس عليه المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر. ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) .
فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتر بنفسه ولا بإملاء الله له، فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته؛ لأن الإنسان إذا عوقب بالظلم عادلاً ، فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أملي له واكتسب آثاماً أو ازداد ظلماً، ازدادت عقوبته والعياذ بالله فيؤخذ على غرة، حتى إذا أخذه الله لم يفلته، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاعتبار بآياته وأن يعيذنا وإياكم من ظلم أنفسنا ومن ظلم غيرنا ، إنه جواد كريم.


332 أخرجه البخاري ، كتاب المظالم ، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، رقم (2453)، ومسلم، كتاب المساقة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض، رقم (1612).
333 أخرجه البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ )، رقم (4686) مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم ، رقم (2583)
334 أخرجه مسلم ، كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله..، رقم (1978).

الموضوع التالي


208-وعن معاذ - رضي الله عنهُ- قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعُوا لذلك، فاعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلةٍ فإنهم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردٌ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" متفق عليه [335].

الموضوع السابق


205- وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجةُ الوداع، حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثني عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال :" ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمتهُ: أنذرهُ نوح والنبيون من بعده، وإنه إن يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى، كان عينه عنبةٌ طافيةٌ. ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، إلا هل بلغت؟ " قالوا: نعم ، قال :" اللهم أشهد - ثلاثاً - ويلكم، أو ويحكم، انظروا : لا ترجعُوا : بعدي كفاراً يضربُ بعضكم رقاب بعضٍ" رواه البخاري [326]. وروى مسلم بعضه[327].