211- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجرُ من هجر ما نهى الله عنهُ" متفق عليه [339].
 
قال المؤلف رحمه الله - فيما رواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
والمسلم يطلق على معانٍ كثيرة: منها المستسلم ، المستسلم لغيره يُقال له مسلم ، ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى : (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات:14)، أي قولوا: استسلمنا ، ولم نقاتلكم ، والقول الثاني في الآية : إن المراد بالإسلام الإسلامُ لله عزّ وجلّ وهو الصحيح.
والمعني الثاني يطلق الإسلام على الأصول الخمسة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإسلام ، فقال : " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت[340].
ويطلق الإسلام على السلامة، يعني أن يسلم الناس من شر الإنسان، فيقال: أسلم بمعنى دخل في السلم أي المسالمة للناس، بحيث لا يؤذي الناس ، ومنه هذا الحديث :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ، ولا يلعنهم ، ولا يغتابهم، ولا ينم بينهم ، ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد، فهو قد كفّ لسانه ، وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان ، وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل :" أفلا أخبرك بملاك ذلك كله"؟ قلت: بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال:" كفّ عليك هذا" قلت: يا رسول الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، يعني هل نؤاخذ بالكلام؟ فقال :" ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم- أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم" .(1)
فاللسان من أشد الجوارح خطراً على الإنسان ، ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح : اليدين والرجلين والعينين، كل الجوارح تكفر اللسان، وكذلك إيضاً الفرج، لأن الفرج فيه شهوة النكاح، واللسان فيه شهوة الكلام، وقل من سلم من هاتين الشهوتين.
فالمسلم من سمل المسلمون من لسانه أي كف عنهم؛ لا يذكرهم إلا بخير ، ولا يسب ، ولا يغتاب ، ولا ينم ، ولا يحرش بين الناس، فهو رجلٌ مسالم ، إذا سمع السوء حفظ لسانه، وليس كما يفعل بعض الناس- والعياذ بالله- إذا سمع السوء في أخيه المسلم طار به فرحاً ، وطار به في البلاد نشراً- والعياذ بالله- فإن هذا ليس بمسلم .
الثاني: من سلم المسلمون من يده، فلا يعتدي عليهم بالضرب، أو الجرح، أو أخذ المال، أو ما أشبه ذلك ، قد كف يده لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعاً، ولا يعتدي على أحد، فإذا اجتمع للإنسان سلامة الناس من يده ومن لسانه، فهذا هو المسلم.
وعلم من هذا الحديث أن من لم يسلم الناس من لسانه أو يده، فليس بمسلم، فمن كان ليس لهم همٌ إلا القيل والقال في عباد الله ، وأكل لحومهم وأعراضهم، فهذا ليس بمسلم، وذلك من كان ليس لهم همٌ إلا الاعتداء على الناس بالضرب، وأخذ المال ، وغير ذلك مما يتعلق باليد، فإنه ليس بمسلم.
هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، وليس إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أن نعلم به فقط ، بل لنعلم به ونعمل به، وإلا فما الفائدة من كلام لا يعمل به، إذا فاحرص إن كنت تريد الإسلام حقاً على أن يسلم الناس من لسانك ويدك، حتى تكون مسلماً حقاً، أسال الله تعالى أن يكفنا ويكف عنا، ويعافنا ويعفو عنا، إنه جواد كريم.


339 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون ...، رقم (10)، مسلم ،كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام..، رقم (40)
340 حديث جبريل أخرجه مسلم بتمامه ، كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ، رقم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخرجه البخاري بنحوه كتاب التفسير، باب قوله : (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)، رقم (4777) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1) أخرجه الترذمي ، كتاب باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم (3636)، ابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، رقم (3973)، وأحمد في المسند(5/331) وقال الترمذي: حسن صحيح.

الموضوع التالي


213- وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث- رضي الله عنهُ- عن النبي صلى الله عليه وسل مقال:" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حُرم : ثلاثةٌ متوالياتٌ: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم ، ورجبُ مُضرَ الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم " فسكت حتى ظننا أنهُ سيسميه بغير اسمه، قال أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلى : قال " فأي بلد هذا؟: قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنهُ سيسميه بغر اسمه قال:" اليس بالبلدة"؟ قلنا بلى. قال " فيُ يوم هذا؟" قلنا : الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:" أليس يوم النحر؟" قلنا: بلى قال :" فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، إلا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، إلا ليبلغ الشهاد الغائب ، فلعل بعض من يلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه" ثم قال إلا هل بلغتُ، ألا هل بلغتُ؟ قلنا نعم.قال :" اللهم اشهد" متفق عليه[341] .