218- وعن أبي هريرة - رضي الله عنهُ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون ما المفلسُ؟" قالوا": المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:" إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار" رواه مسلم [347].
 
قال المؤلف- رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أتدرون ما المفلس؟" الاستفهام هنا للاستعلام الذي يراد به الإخبار؛ لأن المستفهم تارة يستفهم عن جهل ولا يدري فيسأل غيره، وتارة يستفهم لتنبيه المخاطب لما يلقى إليه، أو لتقرير الحكم ، فمثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر:" أينقص إذا جفّ؟" يعني الرطب، قالوا :" نعم" فنهى عن ذلك [348].
أما في هذا الحديث فسيخبر الصحابة عن أمر لا يعلمونه ، أو لا يعلمون مراد النبي صلى الله عليه وسمل به، قال : أتدرون من المفلس؟ ، قالوا يا رسول الله ، المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع ، يعين ليس عنده نقود ولا عنده متاع، أي : أعيان من المال، أي أن المفلس يعني الفقير، وهذا هو المعروف من المفلس بين الناس ، فإذا قالوا: من المفلس؟ يعني الذي ليس عنده نقود، ولا عنده متاع ، بل هو فقير.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة" ، وفي رواية : " من يأتي بحسان مثل الجبال" أي يأتي بحسنات عظيمة، فهو عنده ثروة من الحسنات لكنه يأتي وقد شتم هذا ، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، أي اعتدى على الناس بأنواع الاعتداء، والناس يريدون أخذ حقهم ، ما لا يأخذونه في الدنيا يأخذونه في الآخرة، فيقتص لهم منه؛ فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته بالعدل والقصاص بالحق، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار، والعياذ بالله.
تنقضي حسناته ، ثواب الصلاة ينتهي، وثواب الزكاة ينتهي، وثواب الصيام ينتهي، كل ما عنده من حسنات ينتهي، فيؤخذ من سيئاتهم ويطرح عليه، ثم يطرح في النار، العياذ بالله..
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا هو المفلس حقاً ، أما مفلس الدنيا فإن الدنيا تأتي وتذهب ، ربما يكون الإنسان فقيراً فيمسي غنياً ، أو بالعكس، لكن الإفلاس كل الإفلاس أن يفلس الإنسان من حسناته التي تعب عليها ، وكانت أمامه يوم القيامة يشاهدها، ثم تؤخذ منه لفلان وفلان.
وفي هذا تحذير من العدوان على الخلق ، وأنه يجب على الإنسان أن يؤدي ما للناس في حياته قبل مماته، حتى يكون القصاص في الدنيا مما يستطيع ، أما في الآخرة فليس هناك درهم ولا دينارٌ حتي يفدي نفسه، ليس فيه إلا الحسنات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه وطرح في النار"
ولكن هذا الحديث لا يعني أنه يخلد في النار، بل يعذب بقدر ما حصل عليه من سيئات الغير التي طرحت عليه، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة؛ لأن المؤمن لا يخلد في النار، ولكن النار حرها شديد، لا يصبر الإنسان على النار ولو للحظة واحدة، هذا على نار الدنيا فضلاً عن نار الآخرة، أجار الله وإياكم منها.


347 تقدم تخريجه.
348 أخرجه أبو داود، كتاب البيوع باب في التمر بالتمر، رقم (3359)، والترمذي ، كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة، رقم (1225) ، والنسائي ، كتاب البيوع، باب اشتراء التمر بالرطب، رقم (4545)، ابن ماجه ، كتاب التجارات، باب بيع الرطب بالتمر ، رقم (2264) ، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.

الموضوع السابق


216- وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال : لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلانٌ شهيدٌ ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجل فقالوا: فلانٌ شهيدٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" كلا إني رأيتهُ في النار في بُردةٍ غلها - أو عباءة" رواه مسلم [343]. 217- وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي- رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم ، فذكر لهم إن الجهاد في سبيل الله ، والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله ، أريت أن قتلتُ في سبيل الله ، تكفرُ عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غير مدبر" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كيف قلت؟" قال : أرابت إن قتلتُ في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم وأنت صابرٌ محتسبٌ ، مقبلٌ غير مدبرٍ إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك" رواه مسلم [344].