223-وعن ابي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مر في شيء من مساجدنا ، أو أسواقنا ، ومعه نبلٌ فيمسك ، و ليقبض على نصالها بكفه أن يُصيب أحدا من المسلمين منها بشيء" متفق عليه [355]. 225- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال :" قبل النبي صلى الله عليه وسمل الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعندهُ الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من لا يرحم لا يرحم" متفق عليه [356].
 
ذكر المؤلف - رحمه الله - جملة من أحاديث الرفق بالمسلمين ، منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من مرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك ، أو ليقبض على نصالها بكفه".
النبل: السهام التي يُرمى بها ، وأطرافها تكون دائماً دقيقة تنفذ فيما تصيبه من المرمي، فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها. وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحداً من الناس، ربما يأتي أحدٌ بسرعة فتخدشه ، أو يمرّ الرجل الذي يمسك بها وهي مفتوحة غير ممسكة فتخدشهم أيضاً.
ومثل ذلك أيضاً العصيّ، إذا كان معك عصّا فامسكها طولاً، يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضاً؛ لأنك إذا جعلتها عرضاً آذيت الناس الذين وراءك، ربما تؤذى الذين أمامك . ومثله الشمسية أيضاً؛ إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها ، لئلا تؤذي الناس.
فكل شيء يؤذي المسلمين أو يُخشى من أذيته فإنه يتجنبه الإنسان ؛لأن أذية المسلمين ليست بالهينة. قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58).
ومن الأحاديث التي ذكرها المصنف حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان عنده الأقرع بن ، والحسن بن على بن أبي طال هو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجده من أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه على بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُ الحسن والحسين؛ لأنهما سبطاه، يفضل الحسن على الحسين، لأن الحسن قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :" إن ابني هذا سيد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"[357] فكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حصلت الفتنة في زمن معاوية، وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه على بن أبي طالب رضي الله عنه ، تنازل عنها - رضي الله عنه - لمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين؛ لأنه يعلم أن في الناس أشراراً ، وأنهم ربما يأتون إليه ويغرونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن علي رضي الله عنهم ، غرّه أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقُتل الحسين.
أما الحسن رضي الله عنه فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، فصار ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين".
كان عند النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم، والغالب أن أهل البادية وأشباههم يكون يهم جفاء، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم ، أعوذ بالله من قلب قاسٍ لا يقبلهم ولو كانوا صغاراً ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" من لا يرحم لا يُرحم" يعني أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله ، ويُفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله ، وهو كذلك فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن"[358]
ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبّل للإنسان أن يقبل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم ، واقتداءً برسل الله صلى الله عليه وسلم ، أما ما يفعله بعض الناس من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده لا يمكن صبيه من أن يحضر على مجلسه، لا أن يمكِّن صبيه من أن يطلب منه شيئاً، وإذا رآه
عند الرجال انتهره ، فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة.
كان النبي عيه الصلاة والسلام يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي، إما العصر وإما الظهر، فجاءته بنت بنته " أمامة" ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي بالناس؛ إذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها[359] . فأين هذا الخلق من أخلاقنا اليوم؟ الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه فضلاً عن كونه يحمله في الصلاة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام ساجداً فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه - أي جعله راحلة له- فأطال النبي صلى الله عليه السجود ، فلما سلم قال:" إن أبني أرتحلني وإني كرهت أن أقٌوم حتى يقضي نهمته"[360].
وكان صلى الله عليه وسم ليخطب الناس يوماً على المنبر، فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وحملهما بين يديه وقال: صدق الله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (التغابن:15)
، نظرت إليى هذين الصبيين يعثران فلم أصبر" يعني فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما .
ففي هذا كله وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار، ويلطف بهم ، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزّ وجلّ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه.

355 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب المرور في المسجد، رقم (452)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب أمر من مر بسلاح في مسجد، رقم (2615).
356 أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5997) ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان، رقم (2318)
357 أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن ...، رقم (7109)
358 أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في الرحمة، رقم (4941) والترمذي ، كتاب البر والصلة، باب ما جاء ي رحمة الناس، رقم (1924) وقال الترمذي: حديثٌ حسن غريب
359 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، رقم (516) ومسلم ، كتاب المساجد، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، رقم (543)
360 أخرجه النسائى ، كتاب التطبيق ، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة، رقم (1141) ، وأحمد في المسند (3/494)

الموضوع التالي


226- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:" أتقبلون صبيانكم؟ فقال :" نعم" قالوا : لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟" متفق عليه[361]. 227- وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لا يرحم لا يرحم الناس لا يرحمه الله " متفق عليه [362]. 228- وعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه ، فليطول ما شاء " متفق عليه وفي رواية :" وذا الحاجة"[363].