226- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:" أتقبلون صبيانكم؟ فقال :" نعم" قالوا : لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟" متفق عليه[361]. 227- وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لا يرحم لا يرحم الناس لا يرحمه الله " متفق عليه [362]. 228- وعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه ، فليطول ما شاء " متفق عليه وفي رواية :" وذا الحاجة"[363].
 
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن عائشة- رضي الله عنهما - قالت: جاء قوم من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا: هل تقبلون صبيانكم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نعم" . الأعراب كما نعلم جميعاً جفاة، وعندهم غلظة وشدة ولا سيما رعاة الإبل منهم، فإن عندهم من الغلظة والشدة ما يجعل قلوبهم كالحجارة. نسأل الله العافية. قالوا : إنا لسنا نقبل صبياننا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة"؟ يعني لا أملك لكم شيئاً إذا نزع الله الرحمة من قلوبكم.
وفي هذا دليلٌ على تقبيل الصبيان شفقة عليهم ورقة لهم ورحمة بهم . وفيه دليلٌ على أن الله تعالى قد أنزل في قلب الإنسان الرحمة ، وإذا أنزل الله في قلب الإنسان الرجمة فإنه يرحم غيره، وإذا رحم غيره رحمه الله عزّ وجلّ ، كم في الحديث الثاني حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لا يرحم لا يرحمه الله " نسأل الله العافية.
الذي لا يرحم الناس لا يرحمه الله عزّ وجلّ ، والمراد بالناس : الناس الذين هم أهل للرحمة كالمؤمنين وأهل الذمة ومن شبابههم، وأما الكفار الحربيون فإنهم لا يُرحمون ، بل يقتلون لأن الله تعالى قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(الفتح:29)، وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73).
ذكر الله تعالى هذه الآية في سورتين من القرآن الكريم بهذا اللفظ نفسه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)ذكرها الله في سورة اللتوبة وفي سورة التحريم ، وقال تعالى: (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ )(التوبة: 120).
وكذلك أيضاً رحمة الدواب والبهائم فإنها من علامات رحمة الله عزّ وجلّ للإنسان؛ لأنه إذا رق قلب المرء رحم كل شيء ذي روح، وإذا رحم كل شيء ذي روح رحمه الله . قيل : يا رسول الله ؛ ألنا في البهائم أجر؟ قال:" نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر" [364]
ومن الشفقة والرحمة بالمؤمنين أنه إذا كان الإنسان إماماً لهم ، فإنه لا ينبغي له أن يطيل عليهم في الصلاة. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف ، فإن من ورائه السقيم والضعيف وذا الحاجة والكبير" يعني من ورائه أهل الأعذار الذين يحتاجون إلى التخفيف، والمراد بالتخفيف ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا هو التخفيف وليس المراد بالتخفيف ما وافق أهواء الناس، حتى صار الإمام يركض في صلاته ولا يظمئن . قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ما صليت وراء إمام قطّ أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فكأن يقرأ في فجر الجمعة" آلم تنزيل" السجدة كاملة في الركعة الأولى. و(هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ)(الانسان:1) كاملة في الركعة الثانية، وكان يقرأ بسورة الدخان في المغرب، ويقرأ فيها بالمرسلات ، ويقرأ فيها بالطور، ربما قرأ فيها بالأعراف ، ومع هذا فهي خفيفة، قال أنس رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم [365].
وليس هذا الحديث حجة للذين يريدون من الأئمة أن يخففوا تخفيفاً ينقص الأجر ويخالف السنة. ثم أعلم أنه قد يكون التخفيف عارضاً طارئاً ، مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، كان يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيوجز مخافة أن تفتتن أمه[366]. فإذا حصل طارئ يوجب أن يخفف الإنسان صلاته فليخفف، لكن على وجه لا يخف بالواجب.
فالتخفيف نوعان:
تخفيف دائم: وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم . وتخفيف طارئ يكون أخفّ، وهو ما دعت إليه الحاجة، وهو أيضاً من السنة، فإن النبي صلى الله عليه ولسم كان إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة حتى لا تفتتن أمه، والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحمتهم.


361 أخرجه البخاري، كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5998) ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال ، رقم (2317)
362 أخرجه البخاري، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم، رمق (6013) ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال ، رقم (2319) واللفظ لمسلم
363 أخرجه البخاري، كتاب الأذان ، باب إذا صلى لنفسه فليطول...، رقم (703)، ومسلم ، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة، رقم (467)
364 تقدم تخريجه ص (172)
365 أخرجه البخاري، كتاب الأذان ، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي" رقم (708) ، ومسلم ، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة ، رقم (469)
366 أخرجه البخاري، كتاب الأذان ، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، رقم (708) ومسلم ، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة ، رقم (470).

الموضوع السابق


223-وعن ابي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مر في شيء من مساجدنا ، أو أسواقنا ، ومعه نبلٌ فيمسك ، و ليقبض على نصالها بكفه أن يُصيب أحدا من المسلمين منها بشيء" متفق عليه [355]. 225- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال :" قبل النبي صلى الله عليه وسمل الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعندهُ الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من لا يرحم لا يرحم" متفق عليه [356].