3/250 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول : والله لا أفعل ، فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أين المتألي على الله لا يفعل المعروف ؟ )) فقال أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب )، متفق عليه( 22 ) . معنى (( يستوضعه )): يسأله أن يضع عنه بعض دينه . (( ويسترفقه )): يسأله الرفق. ((والمتألي )): الحالف . |
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في بيان الصلح بين اثنين متنازعين فإذا رأى شخص رجلين يتنازعان في شيء وأصلح بينهما ، فله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد فعل خيراً كثيراً ، كما سبق الكلام فيه على قول الله تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114] .
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع نزاع رجلين وقد علت أصواتهما ، خرج إليهما صلى الله عليه وسلم لينظر ماذا عندهما ، وفيه دليل على أنه لا حرج على الإنسان أن يتدخل في النزاع بين اثنين ، إذا لم يكن ذلك سراً بينهما ؛ لأن هذين الرجلين قد أعلنا ذلك ، وكانا يتكلمان بصوت مرتفع ، أما لو كان الأمر بين اثنين على وجه السر والإخفاء ؛ فلا يجوز للإنسان أن يتدخل بينهما ؛ لأن في ذلك إحراجاً لهما ، فإن إخفاءهما للشيء يدل على أنهما لا يحبان أن يطلع عليه أحد من الناس ، فإذا أقحمت نفسك في الدخول بينهما ؛ أحرجتهما وضيقت عليهما ، وربما تأخذهما العزة بالإثم فلا يصطلحان . والمهم أنه ينبغي للإنسان أن يكون أداة خير، وأن يحرص على الإصلاح بين الناس وإزالة العداوة والضغائن حتى ينال خيراً كثيراً ، والله الموفق . ( 22 ) رواه البخاري ، كتاب الصلح ، باب هل يشير الإمام بالصلح ، رقم ( 2705 ) ، ومسلم ، كتاب المساقاة ، باب استحباب الوضع من الدين . . ، رقم ( 1557 ) . |