2/253 ـ وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عنده جالس : (( ما رأيك في هذا ؟ )) فقال : رجل من أشراف الناس ، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم مر رجل آخر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما رأيك في هذا )) فقال : يا رسول الله ، هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن لا يسمع لقوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا )) متفق عليه ( 29 ) . قوله ((حري )) : هو بفتح الحاء وكسر الراء وتشديد الياء : أي حقيق . وقوله : (( شفع )) بفتح الفاء .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ، قال : مر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل : (( ما تقول في هذا ؟ )) قال : رجل من أشراف الناس ، حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، ثم مر رجل آخر ، فسأل عنه فقال : هذا رجل من ضعفاء المسلمين ، حري إن خطب ألا ينكح ، وإن شفع ألا يشفع ، وإن قال ألا يسمع لقوله .
فهذان رجلان أحدهما من أشراف القوم ، وممن له كلمة فيهم ، وممن يجاب إذا خطب ، ويسمع إذا قال ، والثاني بالعكس ، رجل من ضعفاء الناس ليس له قيمة ، إن خطب فلا يجاب ، وإن شفع فلا يشفع ، وإن قال فلا يسمع .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا )) أي : خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرف وجاه في قومه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس ينظر إلى الشرف ، والجاه ، والنسب ، والمال ، والصورة ، واللباس ، والمركوب ، والمسكون ، وإنما ينظر إلى القلب والعمل ، فإذا صلح القلب فيما بينه وبين الله عز وجل ، وأناب إلى الله ، وصار ذاكراً لله تعالى خائفاً منه ، مخبتاً إليه ، عاملاً بما يرضي الله عز وجل ، فهذا هو الكريم عند الله ، وهذا هو الوجيه عنده ، وهذا هو الذي لو أقسم على الله لأبره .
فيؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهي أن الرجل قد يكون ذا منزلة عالية في الدنيا ، ولكنه ليس له قدر عند الله ، وقد يكون في الدنيا ذا مرتبة منحطة وليس له قيمة عند الناس وهو عند الله خير من كثير ممن سواه ـ نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الوجهاء عنده ، وأن يجعل لنا ولكم عنده منزلة عالية ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .


( 29 ) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب فضل الفقر ، رقم ( 6447 ) ، ولم نجده عند مسلم .