6/257 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) رواه مسلم ( 38 ) . 7/258 ـ وعن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( قمت على باب الجنة ، فإذا عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجد محبوسون ، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار . وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء )) متفق عليه ( 39 ) . (( والجد )) بفتح الجيم : الحظ والغنى ، وقوله : (( محبوسون )) أي : لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة . |
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) . وأشعث من صفات الشعر ، وشعره أشعث يعني ليس له ما يدهن به الشعر ، ولا ما يرجله ، وليس يهتم بمظهره ، وأغبر يعني أغبر اللون ، أغبر الثياب ، وذلك لشدة فقره .
مدفوع بالأبواب : يعني ليس له جاه ، إذا جاء إلى الناس يستأذن لا يأذنون له ، بل يدفعونه بالباب ؛ لأنه ليس له قيمة عند الناس لكن له قيمة عند رب العالمين ، لو أقسم على الله لأبره ، لو قال : والله لا يكون كذا لم يكن ، والله ليكونن كذا لكان . لو أقسم على الله لأبره ، لكرمه عند الله عز وجل ومنزلته . فبأي شيء يحصل هذا ؟ فربما يكون رجل أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله ما أبره ، ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره . فما هو الميزان ؟ الميزان تقوى الله عز وجل ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات: 13] ، فمن كان أتقى لله فهو أكرم عند الله ، ييسر الله له الأمر ، يجيب دعاءه ، ويكشف ضره ، ويبر قسمه . وهذا الذي أقسم على الله لن يقسم بظلم لأحد ، ولن يجترئ على الله في ملكه ، ولكنه يقسم على الله فيما يرضي الله ثقة بالله عز وجل ، أو في أمور مباحة ثقة بالله عز وجل . وقد مر علينا في قصة الربيع بنت النضر وأخيها أنس بن النضر ؛ فإن الربيع كسرت ثنية جارية من الأنصار ، فاحتكموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسر ثنية الربيع ؛ لأنها كسرت ثنية الجارية الأنثى ، فقال أخوها أنس : يا رسول الله ، تكسر ثنية الربيع ؟ قال : (( نعم ، كتاب الله القصاص ، السن بالسن )) قال : والله لا تكسر ثنية الربيع . قال ذلك ثقة بالله عز وجل ، ورجاءً لتيسيره وتسهيله . فأقسم هذا القسم ، ليس رداً لحكم الرسول ، ولكن ثقة بالله عز وجل ، فهدى الله أهل الجارية ورضوا بالدية أو عفوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره )) ( 40 ) ؛ لأنه يقسم على الله في شيء يرضاه الله عز وجل ، إحساناً في ظنه بالله عز وجل . أما من أقسم على الله تألياً على الله ، واستكباراً على عباد الله ، وإعجاباً بنفسه فهذا لا يبر الله قسمه ؛ لأنه ظالم ومن ذلك قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل مسرف على نفسه ، فقال : والله لا يغفر الله لفلان ، أقسم أن الله لا يغفر له ، لماذا يقسم ؟ هل المغفرة بيده ؟ هل الرحمة بيده ؟ فقال الله جل وعلا : (( من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان ؟ )) استفهام وإنكار (( فإني قد غفرت له وأحبطت عملك )) (41) ؛ نتيجة سيئة والعياذ بالله ، لم يبر الله بقسمه، بل أحبط عمله، لأنه قال ذلك إعجاباً بعمله، وإعجاباً بنفسه ، واستكباراً على عباد الله عز وجل. أما حديث أسامة بن زيد ، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين )) ، يعني أكثرهم ؛ أكثر ما يدخل الجنة الفقراء ؛ لأن الفقراْء في الغالب أقرب إلى العبادة والخشية لله من الأغنياء ( كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) [العلق: 6،7] ، والغني يرى أنه مستغن بماله ، فهو أقل تعبداً من الفقير ، وإن كان من الأغنياء من يعبد الله أكثر من الفقراء ، لكن الغالب, (( وأصحاب الجد محبوسون )) يعني أصحاب الحظ والغنى محبوسون لم يدخلوا الجنة بعد ؛ الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء (( غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار )) . فقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى أقسام ثلاثة : أهل النار دخلوا النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ ، والفقراء دخلوا الجنة ، والأغنياء من المؤمنين موقوفون محبوسون ، إلى أن يشاء الله , أما أهل النار فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن عامة من دخلها النساء ؛ أكثر من يدخل النار النساء ؛ لأنهن أصحاب فتنة ، ولهذا قال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عيد من الأعياد : (( يا معشر النساء ، تصدقن ، ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل النار )) قالوا : يا رسول الله لم ؟ قال : (( لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير )) ( 42 ) . (( تكثرن اللعن )) : أي السب والشتم ؛ فلسانهن سليط ، وكيدهن عظيم . (( وتكفرن العشير )) : أي المعاشر وهو الزوج ، لو أحسن إليها الدهر كله ، ثم رأت سيئة واحدة قالت : ما رأيت خيراً قط ، تكفرن النعمة ولا تقر بها . وفي هذا الحديث دليل على أنه يجب على الإنسان أن يحترز من فتنة الغنى ، فإن الغنى قد يطغي ، وقد يؤدي بصاحبه إلى الأشر ، والبطر ، ورد الحق ، وغمط الناس ، فاحذر نعمتين : الغنى والصحة . والفراغ أيضاً سبب للفتنة ، فهذه الثلاث : الغنى والصحة . والفراغ ، مما يغبن فيها كثير من الناس ، (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )) ( 43 ) ، والفراغ في الغالب يأتي من الغنى ؛ لأن الغنى منكف عن كل شيء ومتفرغ ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنة المحيا والممات وفتنة المسح الدجال . ( 38 ) رواه مسام ، كتاب البر والصلة ، باب فضل الضعفاء والخاملين ، رقم ( 2622 ) . ( 39 ) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا . . . ، رقم ( 5196 ) ، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء . . . ، رقم ( 2736 ) . ( 40 ) رواه البخاري ، كتاب الصلح ، باب الصلح في الدية رقم (2703 ) ومسلم ، كتاب القسامة ، باب إثبات القصاص ، رقم ( 1675 ) . (41) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله ، رقم ( 2621) . ( 42 ) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب ، رقم ( 1462 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات . . ، رقم(79) . ( 43 ) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب لا عيش إلا عيش الآخرة ، رقم ( 6412 ) . (44) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ . . . ) ، رقم (3436 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة ، رقم ( 2550 ) . |