وقال تعالى( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّين(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)[الماعون:1ـ3]
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ في سياق الآيات التي فيها الحث على الرفق باليتامى ونحوهم من الضعفاء، قال : وقال تعالى : ( أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) .
( أَرَأَيْت ) يقول العلماء : إن معناها أخبرني ، يعني أخبرني عن حال هذا الرجل وماذا تكون . والدين : الجزاء ؛ يعني يكذب بالجزاء وباليوم الآخر ولا يصدق به ، وعلامة ذلك أنه يدع اليتيم يعني يدفعه بعنف وشدة و لا يرحمه .
( وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) أي : لا يحث الناس على طعام المسكين ، وهو بنفسه لا يفعله أيضاً ، ولا يطعم المساكين ، فحال هذا والعياذ بالله أسوأ حال ؛ لأنه لو كان يؤمن بيوم الدين حقيقة لرحم من أوصى الله برحمتهم ، وحض على طعام المسكين .
وفي سورة الفجر يقول الله تعالى: (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر: 17 ،18] ،وهذه أبلغ مما في سورة الماعون لأنه قال : ( لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) وإكرامه أكثر من الوقوف بدون إكرام ولا إهانة ، فاليتيم يجب أن يكرم .
وتأمل قوله : ( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) فالمسكين حظه الإطعام ودفع حاجته ، أما اليتيم فالإكرام . فإن كان غنياً فإنه يكرمه ليتمه ولا يطعم لغناه ، وإن كان فقيراً ـ أي اليتيم ـ فإنه يكرم ليتمه ويطعم لفقره ، ولكن أكثر الناس لا يبالون بهذا الشيء .
واعلم أن الرفق بالضعفاء واليتامى والصغار يجعل في القلب رحمة وليناً وعطفاً وإنابة إلى عز وجل ، لا يدركها إلا من جرب ذلك ، فالذي ينبغي لك أن ترحم الصغار وترحم الأيتام وترحم الفقراء ، حتى يكون في قلبك العطف والحنان والرحمة و (( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )) (49) .
نسأل الله أن يعمنا والمسلمين برحمته وفضله إنه كريم جواد .


(49) رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب . . ، رقم ( 1284 ) ، ومسلم كتاب الجنائز ، باب البكاء على الميت ، رقم ( 923 ) .