1/260 وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه ، فانزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام:52] رواه مسلم (50)
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال :
(( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر )) وهذا في أول الإسلام في مكة ؛ لأن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ؛ أسلم وأسلم معه جماعة .
ومن المعلوم أن من أول الناس إسلاماً أبا بكر رضي الله عنه ، بعد خديجة وورقة بن نوفل ، وكان هؤلاء النفر ستة منهم ابن مسعود رضي الله عنه ، وكان راعي غنم فقيراً ، وكذلك بلال بن أبي رباح وكان عبداً مملوكاً ، وكانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ يجلسون إليه ويستمعون له وينتفعون بما عنده ، وكان المشركون العظماء في أنفسهم ، يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : اطرد عنا هؤلاء ، قالوا هذا احتقاراً لهؤلاء الذين يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم .
فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع ، وفكر في الأمر ، فأنزل الله تعالى : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه ) [الأنعام: 52] ، نهاه الله عز وجل أن يطرد هؤلاء وإن كانوا فقراء ، وإن لم يكن لهم قيمة في المجتمع ، لكن لهم قيمة عند الله ؛ لأنهم يدعون الله بالغداة والعشي ، يعني صباحاً ومساءً ، يدعونه دعاء مسألة فيسألونه رضوانه والجنة ، ويستعيذون به من النار .
ويدعونه دعاء عبادة فيعبدون الله ، وعبادة الله تشتمل على الدعاء ، ففي الصلاة مثلاً يقول الإنسان : رب اغفر لي ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وما أشبه ذلك ، ثم إن العابد أيضاً إنما يعبد لنيل رضا الله عز وجل .
وفي قوله : ( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) تنبيه على الإخلاص وأن الإخلاص له أثر كبير في قبول الأعمال ورفعة العمال عند الله عز وجل ، فكلما كان الإنسان في عمله أخلص ؛ كان أرضى لله وأكثر لثوابه ، وكم من إنسان يصلي وإلى جانبه آخر يصلي معه الصلاة ، ويكون بينهما من الرفعة عند الله والثواب والجزاء كما بين السماء والأرض ، وذلك لإخلاص النية عند أحدهما دون الآخر .
فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على إخلاص نيته لله في عبادته ، وألا يقصد بعبادته شيئاً من أمور الدنيا ؛ لا يقصد إلا رضا الله وثوابه حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى في آخر الآية : ( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ ) يعني ليس عليك شيء منهم ولا عليهم شيء منك ، حساب الجميع على الله ، وكل يجازى بعمله .
( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام 52] ، الفاء هذه التي في ( فتكون ) تعود على قوله : ( فَتَطْرُدَهُمْ ) لا على قوله : ( مَا عَلَيْك ) ، فعندنا هنا في الآية فاءان : الفاء الأولى ( فَتَطْرُدَهُمْ ) وهذه مرتبة على قوله : ( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )، و( فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) مرتبة على قوله : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ ) يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين .
ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه من أهل الخير الذين يدعون الله صباحاً ومساءً يريدون وجهه ، وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر ، والأشراف ، والأمراء ، والوزراء ، والحكام ؛ بل لا ينبغي أن يجلس إلى هؤلاء إلا أن يكون في ذلك مصلحة ، فإذا كان في ذلك مصلحة ؛ مثل أن يريد أن يأمرهم بمعروف ، أو ينهاهم عن منكر ، أو يبين لهم ما خفي عليهم من حال الأمة ، فهذا طيب وفيه خير .
أما مجرد الأنس بمجالستهم ، ونيل الجاه بأنه جلس مع الأكابر ، أو مع الوزراء ، أو مع الأمراء ، أو مع ولاة الأمور ، فهذا غرض لا يحمد عليه العبد ، إنما يحمد على الجلوس مع من كان أتقى لله ؛ من غني وفقير ، وحقير وشريف . فالمدار كله على رضا الله عز وجل ، وعلى محبة من أحب الله .
وقد ذاق طعم الإيمان من والى من والاه الله ، وعادى من عاداه الله ، وأحب في الله ، وأبغض في الله ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك ، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



(50) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل سعد بن أبي وقاص . . . ، رقم ( 2413 ) .

الموضوع التالي


2/261 ـ وعن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه ، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فقال : (( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك )) فأتاهم فقال : يا إخوتاه آغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي . رواه مسلم (51) . قوله (( مأخذها )) أي : لم تستوف حقها منه . وقوله : (( يا أخي )) روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء ، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء .