2/261 ـ وعن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه ، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فقال : (( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك )) فأتاهم فقال : يا إخوتاه آغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي . رواه مسلم (51) . قوله (( مأخذها )) أي : لم تستوف حقها منه . وقوله : (( يا أخي )) روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء ، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله في قضية الضعفاء والمساكين ، وأنه تجب ملاطفتهم والرفق بهم والإحسان إليهم ، أن أبا سفيان مر بسلمان وصهيب وبلال ، وهؤلاء الثلاثة كلهم من الموالي ، صهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي ، فمر بهم فقالوا : ما فعلت أسيافنا بعدو الله ما فعلت يعني : يريدون أنهم لم يشفوا أنفسهم مما فعل بهم أسيادهم من قريش ، الذين كانوا يعذبونهم ويؤذونهم في دين الله عز وجل ، فكأن أبا بكر رضي الله عنه لامهم على ذلك ، وقال : أتقولون لسيد قريش مثل هذا الكلام .
ثم إن أبا بكر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال له : (( لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك )) ، يعني أغضبت هؤلاء النفر ـ مع أنهم من الموالي وليسوا بشيء في عداد الناس وأشرافهم ـ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى هؤلاء النفر وسألهم : آغضبتكم ؟ فقالوا : لا ، قال : يا إخوتاه ، آغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أبا بكر .
فدل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يترفع على الفقراء والمساكين ومن ليس لهم قيمة في المجتمع ؛ لأن القيمة الحقيقية هي قيمة الإنسان عند الله ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات: 13] ، والذي ينبغي للإنسان أن يخفض جناحه للمؤمنين ولو كانوا غير ذي جاه ؛ لأن هذا هو الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [الحجر: 88] .
وفي هذا دليل على ورع أبي بكر رضي الله عنه ، وعلى حرصه على إبراء ذمته ، وأن الإنسان ينبغي له ـ بل يجب عليه ـ إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل أو بأخذه مال أو سب أو شتم أن يستحله في الدنيا ؛ قبل أن يأخذ ذلك منه في الآخرة ؛ لأن الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة ، ويأخذ من أشرف شيء وأعز شيء على الإنسان يأخذه من الحسنات ؛ من الأعمال الصالحة التي هو في حاجة إليها في ذلك المكان .
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ماذا تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : من ليس له درهم ولا دينار ، أو قالوا : ولا متاع . فقال : (( المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ، فيأتي وقد ضرب هذا ، وشتم هذا ، وأخذ مال هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار )) (52) .



(51) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال . . . ، رقم ( 2504 ) .
(52) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم ، رقم ( 2581 ) .