9/268 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها تسأل ، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة ، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ، ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا ، فأخبرته فقال : (( من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )) متفق عليه (66) .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ عن عائشة رضي الله عنها قصة عجيبة غريبة ، قالت : دخلت عليّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل . وذلك لأنها فقيرة . قالت : فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة ـ بيت من بيوت النبي عليه الصلاة والسلام لا يوجد فيه إلا تمرة واحدة ! ـ قالت : فأعطينها إياها فقسمتها بين ابنتيها نصفين ، وأعطت واحدة نصف التمرة ، وأعطت الأخرى نصف التمرة الآخر ، ولم تأكل منها شيئاً .
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة فأخبرته لأنها قصة غريبة عجيبة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( من ابتلي )) : ليس المراد به هنا بلوى الشر ، لكن المراد : من قدر له ، كما قال الله تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) [الأنبياء:35] يعني من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة ، يعني أن الله تعالى يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات ؛ لأن البنت ضعيفة لا تستطيع التكسب ، والذي يكتسب هو الرجل ، قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) [النساء: 34] .
فالذي ينفق على العائلة ويكتسب هو الرجل ، أما المرأة فإنما شأنها في البيت ، تقيمه وتصلحه لزوجها وتؤدب أولادها ، وليست المرأة للوظائف والتكسب إلا عند الغرب الكفرة ومن على شاكلتهم ، ممن اغتر بهم فقلدهم وجعل المرأة مثل الرجل في الاكتساب وفي التجارة وفي المكاتب ، حتى صار الناس يختلطون بعضهم ببعض ، وكلما كانت المرأة أجمل ؛ كانت أحظى بالوظيفة الراقية عند الغرب ومن شابههم ومن شاكلهم !
ونحن ولله الحمد في بلادنا هذه ـ نسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة ـ قد منعت الحكومة حسب ما قرأنا من كتاباتها أن يتوظف النساء لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص إلا فيما يتعلق بالنساء ونسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة ؛ مثل مدارس البنات وشبهها . لكن نسأل الله الثبات ، وأن يزيدها من فضله ، وأن يمنعها مما عليه الأمم اليوم من هذا الاختلاط الضار .
ومما ورد في هذا الحديث من العبر :
أولاً : بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشرف بيوته ، فيه أحب نسائه إليه ، لا يوجد به إلا تمرة واحدة ، ونحن الآن في بلدنا هذا يقدم للإنسان عند الأكل أربعة أصناف شتى ، فلماذا فتحن علينا الدنيا وأغلقت عليهم ؟ ! ألكوننا أحب إلى الله منهم ؟ ! لا والله ، هم أحب إلى الله منا ، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء ، ونحن ابتلينا بهذه النعم ، فصارت هذه النعم عند كثير من الناس اليوم سبباً للشر والفساد والأشر و البطر ، حتى فسقوا والعياذ بالله ، ويخشى علينا من عقوبة الله عز وجل بسبب أن كثيراً منا بطروا هذه النعم وكفروها ، وجعلوها عوناً على معاصي الله سبحانه وتعالى ـ نسأل الله السلامة ـ .
ثانياً : وفيه أيضاً ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الإيثار ، فإن عائشة ليس عندها إلا تمرة ومع ذلك آثرت بها هذه المسكينة ، ونحن الآن عندنا أموال كثيرة ويأتي السائل ونرده .
لكن بلاءنا في الحقيقة في رد السائل هو أن كثيراً من السائلين كاذبون ؛ يسأل وهو أغنى من المسؤول ، وكم من إنسان سأل ويسأل الناس ويلحف في المسألة فإذا مات وجدت عنده دراهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود ! وهذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل ، من أجل الكذب والخداع ، حيث يظهرون بمظهر العجزة وبمظهر المعتوهين والفقراء وهم كاذبون .
ثالثاً : وفي هذا الحديث أيضاً من العبر أن الصحابة رضي الله عنهم يوجد فيهم الفقير كما يوجد فيهم الغني ، قال الله تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً ) [الزخرف: 32] ، ولولا هذا التفاوت ما اتخذ بعضنا بعضاً سخرياً ، ولو كنا على حد سواء واحتاج الإنسان منا مثلاً لعمل ما كالبناء ، فجاء إلى الآخر فقال : أريدك أن تبني لي بيتاً ، فقال : لا أبني ، أنا مثلك ، أنا غني ، فإذا أردنا أن نصنع باباً ، قال الآخر : لا أصنع ، أنا غني مثلك ؛ فهذا التفاوت جعل الناس يخدم بعضهم بعضاً :
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
حتى التاجر الغني صاحب المليارات يخدم الفقير . كيف ؟ ! يورد الأطعمة والأشربة والأكسية ومواد البناء وغيرها ، يجلبها للفقير فينتفع بها ، فكل الناس بعضهم يحتاج لبعض ، ويخدم بعضهم بعضاً ؛ ذلك حكمة من الله عز وجل .
رابعاً : وفي هذا الحديث أيضاً دليل على فضل من أحسن إلى البنات بالمال ، والكسوة ، وطيب الخاطر ، ومراعاة أنفسهن ؛ لأنهن عاجزات قاصرات .
خامساً : وفيه ما أشرنا إليه أولاً من أن الذي يكلف بالنفقة وينفق هم الرجال ، أما النساء فللبيوت ولمصالح البيوت ، وكذلك للمصالح التي لا يقوم بها إلا النساء كمدارس البنات .
أما أن يجعلن موظفات مع الرجال في مكتب واحد ، أو سكرتيرات كما يوجد في كثير من بلاد المسلمين ، فإن هذا لا شك خطأ عظيم ، وشر عظيم ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) (67) ؛ لأن أولها قريب من الرجال فصار شراً ، وآخرها بعيد عن الرجال فصار خيراً . فانظر كيف نُدب للمرأة أن تتأخر وتبتعد عن الإمام ، كل ذلك من أجل البعد عن الرجال ، نسأل الله أن يحمينا وإخواننا المسلمين من أسباب سخطه وعقابه .


(66) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، با اتقوا النار ولو بشق تمرة . . . ، رقم ( 1418 ) ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل الإحسان إلى البنات ، رقم ( 2629 ) .
(67) رواه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصفوف وإقامتها . . . ، رقم ( 440 ) .

الموضوع التالي


10/269 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( إن الله قد أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار )) رواه مسلم (68). 11/270 ـ وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة )) حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد (69) . ومعنى : (( أحرج )): ألحق الحرج ، وهو الإثم بمن ضيع حقهما ، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً ، وأزجر عنه زجرا أكيداً . 12/271 ـ وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال : رأى سعد أن له فضلاً على من دونه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم )) رواه البخاري(70) هكذا مرسلاً ، فإن مصعب بن سعد تابعي ، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلاً عن مصعب عن أبيه رضي الله عنه . 13/272 ـ وعن أبي الدرداء عويمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ابغوني الضعفاء ، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )) رواه أبو داود(71) بإسناد جيد .