10/269 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( إن الله قد أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار )) رواه مسلم (68). 11/270 ـ وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة )) حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد (69) . ومعنى : (( أحرج )): ألحق الحرج ، وهو الإثم بمن ضيع حقهما ، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً ، وأزجر عنه زجرا أكيداً . 12/271 ـ وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال : رأى سعد أن له فضلاً على من دونه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم )) رواه البخاري(70) هكذا مرسلاً ، فإن مصعب بن سعد تابعي ، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلاً عن مصعب عن أبيه رضي الله عنه . 13/272 ـ وعن أبي الدرداء عويمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ابغوني الضعفاء ، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )) رواه أبو داود(71) بإسناد جيد .
 
هذه الأحاديث كلها تدل على مضمون ما سبق من الرفق بالضعفاء واليتامى والبنات وما أشبه ذلك ، وفي حديث عائشة الأول قصة كحديثها السابق ، لكن الحديث السابق أن عائشة رضي الله عنها أعطتها تمرة واحد فشقتها بين ابنتيها .
أما هذا الحديث فأعطتها ثلاث تمرات ، فأعطت إحدى البنتين واحدة ، والثانية التمرة الأخرى ، ثم رفعت الثالثة إلى فيها لتأكلها ، فاستطعمتاها ـ يعني أن البنتين نظرتا إلى التمرة التي رفعتها الأم ـ فلم تطعمها الأم بل شقتها بينهما نصفين ، فأكلت كل بنت تمرة ونصفاً والأم لم تأكل شيئاً . فذكرت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما صنعت المرأة ، فقال : (( أن الله أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار )) يعني : لأنها لما رحمتهما هذه الرحمة العظيمة أوجب الله لها بذلك الجنة .
فدل ذلك على أن ملاطفة الصبيان والرحمة بهم من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار . نسأل الله أن يكتب لنا ولكم ذلك .
وفي الأحاديث الثلاثة التالية لهذا الحديث ما يدل على أن الضعفاء سبب للنصر وسبب للرزق ، فإذا حنَّ عليهم الإنسان وعطف عليهم وآتاهم مما آتاه الله عز وجل ؛ كان ذلك سبباً للنصر على الأعداء ، وكان سبباً للرزق؛ لأن الله تعالى أخبر أنه إذا أنفق الإنسان لربه نفقة فإن الله تعالى يخلفها عليه . قال الله تعالى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سـبأ: 39] ، يخلفه : أي يأتي بخلفه وبدله .


(68) رواه مسلم كتاب البر والصلة ، باب فضل الإحسان إلى البنات ، رقم ( 2630 ) .
(69) رواه النسائي في الكبرى ( 268 ) كتاب عشرة النساء كما في تقريب تحفة الأشراف (2/469) ، وابن ماجه ، كتاب الأدب ، باب حف اليتيم ، رقم (3678) .
(70) رواه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب ، رقم ( 2896 ) .
(71) رواه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة ، رقم ( 2594 ) .