3/275 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) أو قال : (( غيره )) رواه مسلم (78) . وقوله (( يفرك )) هو بفتح الياء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه : يبغض ، يقال : فركت المرأة زوجها ، وفركها زوجها ، بكسر الراء ، يفركها بفتحها : أي أبغضها ، والله أعلم .
 
ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )) .
الفرك : يعني البغضاء والعداوة ، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً ، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق ، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل ، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله ، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات ، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعاً ، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً ؛ هذا هو العدل .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا )[المائدة:8]، يعني لا يحملكم بغضهم على عدم العدل اعدلوا ولو كنتم تبغضونه ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليخرص عليهم ثمر النخل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر حين فتحها على أن يكفوه المئونة ، ويقوموا بإصلاح النخيل والزرع ولهم النصف .
فكان يبعث عليهم من يخرص عليهم الثمرة ، فبعث إليهم عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم ، ثم قال لهم : يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلى ، قتلتم أنبياء الله عز وجل ، وكذبتم على الله ، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم ، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر ، فإن شئتم فلكم ، وإن أبيتم فلي ، فقالوا : بهذا قامت السَّمَوَاتِ والأرض ))(79) .
فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون الإنسان حاكماً بالعدل والقسط ، فقال : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة )) يعني لا يبغضها لأخلاقها ، إن كره منها خلقاً رضي منه خلقاً آخر .
إذا أساءت مثلاً في ردها عليك مرة ، لكنها أحسنت إليك مرات ، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي ، أساءت في معاملة الأولاد مرة ، لكن أحسنت كثيراً . . وهكذا . فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر ، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل . وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضاً ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك ، إذا أساء إليك يوماً من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا ، وإذا غلب الإحسان على الإساءة ؛ فالحكم للإحسان ، وإن غلبت الإساءة على الإحسان فأنظر إن كان أهلاً للعفو فاعف عنه، وإن عفا وأصلح فأجره على الله ، وإن لم يكن أهلاً للعفو ؛ فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك ، لكن انظر للمصلحة .
فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلة من زوجته أو صداقة أو معاملة ، في بيع أو شراء أو غيره ، أن يعامله بالعدل إذا كره منه خلقاً أو أساء إليه في معاملة ، أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا ، فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] .


(78) رواه مسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1469 ) .
(79) رواه مسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1469 ) .

الموضوع التالي


4/276 ـ وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى ، وأثني عليه وذكر ووعظ ، ثم قال : (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ؛ فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن )) رواه الترمذي (80) وقال حديث حسن صحيح . . قوله صلى الله عليه وسلم : (( عوان )) أي : أسيرات جمع عانية ، بالعين المهملة ، وهي الأسيرة ، والعاني : الأسير شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير . (( والضرب المبرح )) : هو الشاق الشديد . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا تبغوا عليهن سبيلا )) أي : لا تطلبوا طريقاً تحتجون به عليهن وتؤذونهن به . والله أعلم .

الموضوع السابق


2/274 ـ وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وذكر الناقة والذي عقرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) انبعث لها رجل عزير ، عارم منيع في رهطه)) ثم ذكر النساء ، فوعظ فيهن ، فقال : (( يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من أخر يومه )) ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال : (( لم يضحك أحدكم مما يفعل ؟ )) متفق عليه (75) . (( والعارم )) بالعين المهملة والراء : هو الشرير المفسد . وقوله : (( انبعث )) أي : قام بسرعة .