5/277 ـ وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : (( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، لا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت )) حديث حسن رواه أبو داود (84) . وقال : معني (( لا تقبح )) أي : لا تقل قبحك الله . 6/278 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم )) رواه الترمذي (85) وقال : حديث حسن صحيح . |
ذكر المؤلف ـ رحمة الله تعالى ـ فيما نقل عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه ما حق امرأة أحدنا عليه ، والصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يسألون ليعملوا لا ليعلموا فقط ؛ خلافاً لما عليه كثير من الناس اليوم يسألون ليعلموا ثم لا يعمل إلا قليل منهم ؛ وذلك أن الإنسان إذا علم من شريعة الله ما علم كان حجة له أو عليه . إن عمل به فهو حجة له يوم القيامة ، وإن لم يعمل به ؛ كان حجة عليه يؤاخذ به .
وما أكثر ما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور دينهم ، ففي القرآن مسائل كثير : (يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ) [البقرة: 215] ، ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى )[البقرة: 220]،( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيض )[البقرة: 222]، ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ )[البقرة: 189] ؛ كلها أسئلة يريد بها الصحابة رضي الله عنهم أن يعلموا فيها حكم الله ثم يطبقوه في أنفسهم وفي أهليهم . وهنا سأله معاوية (( ما حق امرأة أحدنا عليه ؟ قال : (( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت )) يعني لا تخص نفسك بالكسوة دونها ، ولا بالطعام دونها ؛ بل هي شريكة لك يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك ، حتى إن كثيراً من العلماء يقول : إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي ؛ فللقاضي أن يفسخ النكاح ؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها . قال (( ولا تضرب الوجه ولا تقبح )) فلا تضربها إلا لسبب وإذا ضربتها فاجتنب الوجه وليكن ضرباً غير مبرح . وقد سبق لنا أن الإنسان إذا رأى من امرأته نشوزاً وترفعاً عليه ، وأنها لا تقوم بحقه ؛ وعظها أولاً ، ثم هجرها في المضجع ، ثم ضربها ضرباً غير مبرح فإذا حق له أن يضربها لوجود السبب ، فإنه لا يضرب الوجه . وكذلك غير الزوجة لا يضرب على الوجه ، فالابن إذا أخطأ لا يضرب على الوجه ؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان ، وهو واجهه البدن كله ، فإذا ضرب كان أذل للإنسان مما لو ضرب غير وجهه ، يعني يضرب الرجل على كتفه ، على عضده ، على ظهره ؛ فلا يرى بذلك أنه استدل كما لو ضربته على وجهه ، ولهذا نهي عن ضرب الوجه وعن تقبيح الوجه . قوله : (( لا تقبح )) يعني لا تقل : أنت قبيحة ، أو قبح الله وجهك ، ويشمل النهي عن التقبيح : النهي عن التقبيح الحسي والمعنوي ، فلا يقبحها مثل أن يقول : أنت من قبيلة رديئة ، أو من عائلة سيئة ، أو ما أشبه ذلك . كل هذا من التقبيح الذي نهى الله عنه . قال :(( ولا تهجرها إلا في البيت )) يعني إذا وجد سبب الهجر فلا تهجرها علناً وتظهر للناس أنك هجرتها . اهجرها في البيت ؛ لأنه ربما تهجرها اليوم وتتصالح معها في الغد فتكون حالكما مستورة ، لكن إذا ظهرت حالكما للناس بأن قمت بنشر ذلك والتحدث به كان هذا خطأ ، اهجرها في البيت ، ولا يطلع على هجرك أحد ، حتى إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام ، دون أن يطلع عليه أحد من الناس . أما الحديث الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ فإنه حديث عظيم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً )) . الإيمان يتفاوت ويتفاضل كما قال الله تعالى : ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا ) [المدثر: 31] ، وليس الناس في الإيمان سواء ؛ من الناس من يؤمن بالغيب وكأنه يشاهد شهود عيان ، يؤمن بيوم القيامة وكأنه الآن في تلك الساعات ، يؤمن بالجنة وكأنها في تلك الرياض ، يؤمن بالنار وكأنه يراها بعينه ، يؤمن إيماناً حقيقياً مطمئناً لا يخالطه شك . ومن الناس من يعبد الله على حرف ـ نسأل الله العافية ـ كما قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ )[الحج: 11] يعني على طرف ( فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ) يعني إن لم يواجه أحداً يشككه في الدين ، ولم يواجه إلا صلحاء يعينونه ( اطْمَأَنَّ بِه) أي ركن إليه . ( وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)[الحج: 11] ، إن أصابته فتنة في بدنه ، أو ماله ، أو أهله ؛ انقلب على وجهه واعترض على القضاء والقدر ، وتسخط وهلك والعياذ بالله ( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) . فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وفي هذا حث عظيم على حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع الناس. أما حسن الخلق مع الله ، فأن يرضى الإنسان بشريعته ، وينقاد إليها راضياً ، مطمئناً بها ، مسروراً بها سواء كانت أمر يؤمر به ، أو نهياً ينهى عنه . وأن يرضى الإنسان بقدر الله عز وجل ، ويكون ما قدر الله عليه مما يسوءه كالذي قدر الله عليه مما يسره ، فيقول : يا رب كل شيء من عندك ، فأنا راض بك رباً إن أعطيتني ما يسرني شكرت ، وإن أصابني ما يسوءني صبرت ، فيرضى بالله قضاءً وقدراً ، وأمراً وشرعاً ؛ هذا حسن الخلق مع الله . أما حسن الخلق مع الناس فظاهر ، فكف الأذى وبذل الندى ، والصبر عليهم وعلى أذاهم ، هذا من حسن الخلق مع الناس ؛ أن تعاملهم بهذه المعاملة تكف أذاك عنهم ، وتبذل نداك . الندى يعني العطاء سواء كان مالاً أو جاهاً أو غير ذلك ، وكذلك تصبر على البلاء منهم ، فإذا كنت كذلك ؛ كنت أكمل الناس إيماناً . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )) (86) هذا خير الناس . هو خيرهم لأهله ؛ فإذا كان فيك خير ؛ فاجعله عند أقرب الناس لك وليكن أول المستفيدين من هذا الخير . وهذا عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ، تجده سيئ الخلق مع أهله ، حسن الخلق مع غيرهم ، وهذا خطأ عظيم ؛ أهلك أحق بإحسان الخلق ؛ أحسن الخلق معهم ؛ لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانية ، إن أصابك شيء أصيبوا معك ، وإن سررت سروا معك ، وإن حزنت حزنوا معك ، فلتكن معاملتك معهم خيراً من معاملتك مع الأجانب ، فخير الناس خيرهم لأهله . اسأل الله أن يكمل لي وللمسلمين الإيمان ، وأن يجعلنا خير عباد الله في أهلنا ومن لهم حق علينا . (84) رواه أبو داود ، كتاب النكاح ، باب في حق المرأة على زوجها ، رقم ( 2142 ) . (85) رواه الترمذي ، كتاب الرضاع ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ، رقم ( 1162 ) ، وأبو داود ، كتاب ، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه . . . ، رقم ( 4682 ) . (86) رواه الترمذي ، كتاب المناقب ، باب فضل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 3895 ) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب حسن معاشرة النساء ، رقم ( 1977) |