35 ـ باب حق الزوج على المرأة قال الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء: 34] . وأما الأحاديث فمنها حديث عمرو بن الأحوص السابق في الباب قبله . 1/281 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح )) متفق عليه (91) . وفي راوية لهما : (( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح )) (92) . وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها )) (93) .
 
قال المؤلف ـ رحمة الله تعالى ـ : باب حق الزوج على المرأة .
لما ذكر ـ رحمه الله ـ حقوق الزوجة على زوجها ؛ ذكر حقوق الزوج على زوجته ، ثم استدل بقوله الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) .
ثم بين سبب هذه القوامة والولاية التي جعلها الله ، فقال : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) حيث فضل الرجل على المرأة في العقل والدين والقدرة والقوة وغير ذلك من وجوه الفضائل ، والشريعة كلها عدل ، تعطي كل أحد ما يستحقه بمقتضى فضله ، فإذا كان الله قد فضل الرجال على النساء ؛ فإنهم هم القوامون عليهن ،وفي هذا لا يدرين الواقع على فضل جنس الرجال على النساء ، وأن الرجال أكمل وأفضل وأولى بالولاية من المرأة ، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مات كسرى وتولى الأمر بعده امرأة قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)(94) وهذا الحديث إن كان يعني هؤلاء الفرس الذين نصبوا عليهم امرأة ؛ فهو يعنيهم ولكن غيرهم مثلهم ، وإن كان عاماً فهو عام ، لن يفلح قوم ولوا على أمرهم امرأة ، فالرجل هو صاحب القوامة على المرأة ، وفي هذا دليل على سفه أولئك الكفار من الغربيين وغير الغربيين ، الذين صاروا أذناباً للغرب يقدسون المرأة أكثر من تقديس الرجل ؛ لأنهم يتبعون لأولئك الأراذل من الكفار الذين لم يعرفوا لصاحب الفضل فضله ، فتجدهم مثلاً في مخاطباتهم يقدمون المرأة على الرجل فيقول أحدهم : أيها السيدات والسادة ، وتجد المرأة في المكان الأعلى عندهم والرجل دونها . .
ولكن هذا ليس بغريب على قوم يقدسون كلابهم ، حتى إنهم يشترون الكلب بالآلاف ويخصصون له من الصابون وآلات التطهير وغير ذلك ما يضحك السفهاء فضلاً عن العقلاء ، مع أن الكلب لو غسلته بالأبحر السبعة ، ما صار طاهراً ؛ لأنه نجس العين ، لا يطهر أبداً .
فالحاصل أن الرجال هم القوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ، وهذا وجه آخر للقوامة على النساء ، وهو أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة ، وهو المطالب بذلك ، وهو صاحب البيت ، وليس المرأة هي التي تنفق .
وهذه إشارة إلى أن أصحاب الكسب الذين يكسبون ويعملون هم الرجال ، أما المرأة فصناعتها بيتها ، تبق في بيتها تصلح أحوال زوجها ، وأحوال أولادها ، وأحوال البيت ، هذه وظيفتها ، أما أن تشارك الرجال بالكسب وطلب الرزق ثم بالتالي تكون هي المنفقة عليه ؛ فهذا خلاف الفطرة وخلاف الشريعة ، فالله تعالى يقول : ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فصاحب الإنفاق هو الرجل .
قال الله تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه ُ) فالصالحات قانتات أي مديمات للطاعة ، الصالحة تقنت ليس معناها : الدعاء بالقنوت ؛ بل القنوت دوام الطاعة كما قال تعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238] أي مديمين لطاعته ( قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) يعني : يحفظن سر الرجل وغيبته وما يكون داخل جدرانه من الأمور الخاصة، وتحفظه بما حفظ الله، أي بما أمر الله تعالى بحفظه فهذه هي الصالحة ، فعليك بالمرأة الصالحة ؛ لأنها خير لك من امرأة جميلة ليست بصالحة .
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح )) .
ولعن الملائكة يعني أنها تدعو على هذه المرأة باللعنة ، واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، فإذا دعاها إلى فراشه ليستمتع بها بما أذن الله له فيه فأبت أن تجيء ، فإنها تلعنها الملائكة والعياذ بالله ، أي تدعو عليها باللعنة إلى أن تصبح .
اللفظ الثاني : أنها إذا هجرت فراش زوجها ، فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها الزوج ، وهذا أشد من الأول ؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط ؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان ، نسأل الله العافية .
ودليل ذلك أن الله تعالى ذكر في آية اللعان أنه إذا لاعن الرجل يقول : ( أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النور: 7]، وهي إذا لاعنت تقول الرجل تقول: ( أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) [النور: 9]،
وهذا يدل على أن الغضب أشد ، وهو كذلك .
وأيضاً قال في الحديث : (( إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها )) أي الزوج ، وهناك قال: (( حتى تصبح )) ، أما هنا فعلّقه برضى الزوج ، وهذا قد يكون أقل ، وقد يكون أكثر يعني : ربما يرضى الزوج عنها قبل طلوع الفجر ، وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين ، المهم ما دام الزوج ساخطاً عليها فالله عز وجل ساخط عليها .
وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته ، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة ، أما إذا نشز ولم يقم بحقها ؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملاً ؛ لقول الله تعالى :
( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) [البقرة: 194] ولقوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [ النحل : 126 ] .
لكن إذا كان الزوج مستقيماً قائماً بحقها فنشزت هي ومنعته حقه ؛ فهذا جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي .
والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة ، لكنها مقيدة بكونه قائماً بحقها ، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها ؛ لقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) .
وفي هذا الحديث دليل صريح لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من أن الله عز وجل في السماء هو نفسه جل وعلا فوق عرشه ، فوق سبع سموات ، وليس المراد بقوله : (( في السماء )) أي ملكه في السماء ؛ بل هذا تحريف للكلم عن مواضعه .
وتحريف الكلم عن مواضعه من صنيع اليهود والعياذ بالله الذين حرفوا التوراة عن مواضعها وعما أراد الله بها ، فإن ملك الله سبحانه وتعالى في السماء وفي الأرض ، كما قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض) [آل عمران: 189] ، وقال أيضاً : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْه ) [المؤمنون: 88]، وقال أيضاً : (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض ِ) [الشورى: 12] .
كل السموات والأرض كلها بيد الله عز وجل ، كلها ملك الله ، ولكن المراد أنه هو نفسه عز وجل فوق سماواته على العرش استوى، ولذلك نجد أن المسألة فطرية لا تحتاج إلى دراسة وتعب حتى يقرّ الإنسان أن الله في السماء ، بمجرد الفطرة يرفع الإنسان يديه إلى ربه إذا دعا ويتجه قلبه إلى السماء ، واليد ترفع أيضاً نحو السماء .
بل حتى البهائم ترفع رأسها إلى السماء ، حدثني أحد الأساتذة في الجامعة عندنا عن شخص اتصل عليه من القاهرة إبان الزلزلة التي أصابت مصر يقول: إنه قبل الزلزلة بدقائق ، هاجت الحيوانات في مقرها الذي يسمونه : (( حديقة الحيوانات )) هاجت هيجاناً عظيماً ، ثم بدأت ترفع رأسها إلى السماء . سبحان الله ، بهائم تعرف أن الله في السماء ، وأوادم من بني آدم ينكرون أن الله في السماء والعياذ بالله ، فالبهائم تدري وتعرف .
نحن نشاهد بعض الحشرات إذا طردتها أو آذيتها وقفت ثم رفعت قوائمها إلى السماء نشاهدها مشاهدة ، فهذا يدل على أن كون الله عز وجل في السماء أمر فطري لا يحتاج إلى دليل أو تعب أو عنت ، حتى الذين ينكرون أن الله في السماء ـ نسأل الله لنا ولهم الهداية ـ لو جاءوا يدعون أين يرفعون أيديهم ؟. . إلى السماء ، فسبحان الله ! أفعالهم تكذب عقيدتهم ، هذه العقيدة الباطلة الفاسدة التي يخشى عليهم من الكفر بها .
وهذه جارية ، أمة مملوكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد سيدها أن يعتقها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( ادعها )) ، فجاءت الجارية ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (( أين الله )) قالت : الله في السماء . قال : (( من أنا )) قالت : أنت رسول الله . قال لسيدها : (( أعتقها فإنها مؤمنة ))(95) .
سبحان الله ! إن هؤلاء الذين يعتقدون أن الله ليس في السماء يقولون : من قال إن الله في السماء فهو كافر والعياذ بالله ، نسأل الله لنا ولهم الهداية .
المهم أن من عقيدتنا التي ندين الله بها أن الله عز وجل فوق كل شيء ، وهو القاهر فوق عباده ، وأنه على العرش استوى ، وأن العرش على السموات مثل القبة ، كأنه قبة أي خيمة مضروبة على السموات والأرض ، والسموات والأرض بالنسبة للعرش ليست بشيء .
وجاء في بعض الآثار : أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ، حلقة الدرع حلقة ضيقة لا يدخل فيها مفتاح ، إذا ألقيت في فلاة من الأرض ماذا تشغل من مساحة هذه الفلاة ؟ لا شيء .
قال : (( وإن فضل العرش على الكرسي ، كفضل الفلاة على هذه الحلقة )) (96) ، إذا الله أكبر من كل شيء ومحيط بكل شيء ولهذا قال الله عز وجل : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) يعني أحاط بها ، فما بالك بالرب عز وجل .
فالرب عز وجل فوق كل شيء ، هذه عقيدتنا التي نسأل الله تعالى أن نموت عليها ونبعث عليها ، هذه العقيدة التي يعتقدها أهل السنة والجماعة بالاتفاق .


(91) رواه البخاري ،كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة ، رقم ( 3237 ) ، ومسلم ، كتاب النكاح ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها ، رقم ( 1436 ) [ 122 ].
(92) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها رقم ( 5194 ) ، ومسلم ، كتاب النكاح ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها ، رقم ( 1436 ) [ 120 ] .
(93) رواه مسلم ، كتاب النكاح ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها ، رقم (1436 ) [ 121 ] .
(94) رواه البخاري ، كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، رقم ( 4425) .
(95) رواه مسلم ، كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام في الصلاة . . . ، رقم ( 537 ) .
(96) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري ( 13/403 ) .


الموضوع السابق


7/279 ـ وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تضربوا إماء الله )) فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذئرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون ازواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم )) رواه أبو داود (87) بإسناد صحيح . قوله : (( ذئرن )) هو بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء ساكنة ثم نون ، أي : اجترأن ، قوله : (( أطاف )) أي : أحاط . 8/280 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة )) رواه مسلم (88) .