38 ـ باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى ، ونهيهم عن المخالفة ، وتأديبهم ، ومنعهم من ارتكاب منهيٍّ عنه قال الله تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) [طـه: 132] ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) [التحريم: 6] . 1/298 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كخ كخ ، أرم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟ )) متفق عليه (118) . وفي رواية : (( أنا لا تحل لنا الصدقة)) (119) ، وقوله : (( كخ كخ )) يقال بإسكان الخاء ويقال بكسرها مع التنوين ، وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات ، وكان الحسن رضي الله عنه صبياً .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ : باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة ، وتأديبهم ، ومنعهم من ارتكاب منهي عنه .
ووجه المناسبة أن المؤلف رحمه الله ، لما ذكر ما يجب للأهل من غذاء الجسم ؛ ذكر لهم ما يجب من غذاء الروح على أبيهم ومن له ولاية عليهم ، وأولى ما يؤمر به وأوجب وأفضل هي الصلاة ، كما قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) [طـه:132] ، فأمره أن يأمر أهله بالصلاة .
والأهل كل من في البيت ؛ من زوجة ، وابن ، وبنت ، وعمة ، وخالة ، وأم ، كل من في البيت أهل ، أمره أن يأمرهم بالصلاة ، وأمره أن يصطبر عليهم يعني يحض نفسه على الصبر ، ولهذا جاءت التاء التي فيها زيادة البنية وفيها زيادة المعنى اصطبر ؛ لأن أصلها اصتبر عليها .
وذكر الله عن إسماعيل أبي محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ أنه أحد أجداده ، أنه كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ، وكان عند ربه مرضياً ، فالإنسان مسؤول عن أهله ، مسؤول عن تربيتهم ، حتى ولو كانوا صغاراً إذا كانوا مميزين ، أما غير المميز فإنه يؤمر بما يتحمله عقله .
ثم ذكر حديث الحسن بن على بن أبي طالب رصي الله عنهما أنه أخذ تمرةً من الصدقة فجعلها في فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( كخ كخ )) يعني أنها لا تصلح لك ، ثم أمره أن يخرجها من فيه ، وقال : إننا لا نحل لنا الصدقة .
فالصدقة لا تحل لآل محمد ؛ وذلك لأنهم أشرف الناس ، والصدقات والزكوات أوساخ الناس ، ولا يتناسب لأشراف الناس أن يأخذوا أوساخ الناس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : (( إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ؛ إنما هي أوساخ الناس )) (120) .
ففي هذا دليل على أن الإنسان بجب عليه أن يؤدب أولاده عن فعل المحرم ، كما يجب عليه أن يؤدبهم على فعل الواجب ، والله الموفق .



(118) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 1491 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 1069 ) .
(119) رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 1069 ) .
(120) رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدق ، رقم ( 1072 ) .

الموضوع السابق


37ـ باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد قال الله تعالى : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) [آل عمران: 92] ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) [البقرة: 267] . 1/297 ـ عن أنس رضي الله عنه قال : كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وإن أحب مالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( بخ ! ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين )) . فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه . متفق عليه (114) . قوله صلى الله عليه وسلم : (( مال رابح )) روي في الصحيحين (( رابح )) و ((رايح )) بالباء الموحدة وبالياء المثناة ، أي : رايح عليك نفعه ، و (( بيرحاء )) حديقة نخل ، وروي بكسر الباء وفتحها .