2/299 ـ وعن أبي حفص عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يا غلام ، سمّ الله تعالى ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )) فما زالت تلك طعمتي بعد . متفق عليه(121) . (( وتطيش)) تدور في نواحي الصَّحفَةِ .
 
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه ، وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه ابن زوجته أم سلمة رضي الله عنها ، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في طعام يأكل فجعلت يده تطيش في الصحفة ، يعني تذهب يميناً وشمالاً ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا غلام ، سمِّ الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )) فهذه ثلاثة آداب علمها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الغلام وهي :
أولاً : قال : (( سمّ الله )) وهذا عند الأكل .
فعند ابتداء الأكل يجب أن يقول الإنسان : بسم الله ، ولا يحل له أن يتركها ؛ لأنه إذا تركها شاركه الشيطان في أكله ؛ أعدى عدو له يشاركه في الأكل إذا لم يقل بسم الله ، ولو زاد : الرحمن الرحيم فلا بأس ؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( بسم الله )) : يعني أذكر اسم الله .
والتسمية الكاملة هي أن يقول الإنسان : بسم الله الرحمن الرحيم كما ابتدأ الله بها كتابه ، وكما أرسل بها سليمان صلى الله عليه وسلم ( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ) [النمل:30] ، فإن اقتصرت على قول بسم الله فلا حرج ، وإن زدت الرحمن الرحيم فلا حرج ، الأمر في هذا واسع .
وأما التسمية على الذبيحة فهي شرط من شروط التذكية ، إذا لم تسمِّ على الذبيحة فهي حرام ميتة ، كأنما ماتت بغير ذبح .
ولكن العلماء يقولون : لا ينبغي أن يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ لأنه الآن يريد أن يذبحها ، فالفعل ينافي القول بالنسبة لهذه الذبيحة ؛ لأنها ستذبح . هكذا علل بعض العلماء ، ولكن لو قالها أيضاً فلا حرج .
الأدب الثاني : قوله : (( وكل بيمينك )) : وهذا أمر على سبيل الوجوب ، فيجب على الإنسان أن يأكل بيمينه وأن يشرب بيمينه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الإنسان بشماله ، أو أن يشرب بشماله ، وقال : (( إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله (122) )) وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [النور: 21] .
ولهذا كان القول الراجح وجوب الأكل باليمين ، ووجوب الشرب باليمين ، وأن الأكل بالشمال أو الشرب بالشمال حرام ، ثم إن الأكل بالشمال والشرب بالشمال مع كونه من هدي الشيطان ؛ فهو أيضاً من هدي الكفار ؛ لأن الكفار يأكلون بشمائلهم ويشربون بشمائلهم .
ثم إن بعض الناس إذا كان على الأكل وأراد أن يشرب ؛ فإنه يمسك الكأس باليسار ويشرب ، ويقول أخشى أن تتلوث الكأس إذا شربت باليمين ، فنقول : لتتلوث ، فإنها إذا تلوثت فإنما تتلوث بطعام ، ولم تتلوث ببول و لا غائط ، تلوث بطعام ثم تغسل .
وبإمكانك أن تمسك الكأس من الأسفل بين إبهامك والسبابة ، وتجعلها كالحلقة ولا يتلوث منه إلا شيء يسير ، ولا عذر لأحد بالشرب بالشمال من أجل هذا ؛ لأن المسألة على سبيل التحريم ، والحرام لا يجوز إلا عند الضرورة والضرورة مثل أن تكون اليد شلاء، لا يمكن أن يرفعها إلى فيه، أو مكسورة لا يمكن أن يرفعها إلى فيه ، فهذه ضرورة ، أو تكون متجرحة لا يمكن أن يأكل بها أو يشرب .
المهم إذا كان ضرورة ؛ فلا بأس باليسار ، وإلا فلا يحل للمسلم أن يأكل باليسار ولا أن يشرب باليسار .
الأدب الثالث : قوله (( وكل مما يليك )) : يعني لا تأكل من حافة غيرك ، بل كُلْ من الذي يليك ؛ لأنك إذا اعتديت على حافة غيرك فهذا سوء أدب ، فكل من الذي يليك .
إلا إذا كان الطعام أنواعاً ، مثل أن يكون هناك لحم في غير الذي يليك فلا بأس أن تأكل ، أو يكون هناك قرع ، أو ما أشبه ذلك مما يقصد ، فلا بأس أن تأكل من الذي لا يليك ؛ لأن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم (( فكان يتتبع الدباّء من حوالي القصعة )) (123) .
الدباّء : القرع ، يتتبعه يعني يلقطه من على الصحفة ليأكله ، هذا لا بأس به .
وفي هذا الحديث من الفوائد أن ينبغي على الإنسان أن يؤدب أولاده على كيفية الأكل والشرب ، وعلى ما ينبغي أن يقول في الأكل والشرب ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ربيبه ، وفي هذا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه ؛ لأنه لم يزجر هذا الغلام حين جعلت يده في الصحفة ، ولكن علمه برفق ، وناداه برفق : (( يا غلام ؛ سمِّ الله ، وكل بيمينك )) .
وليعلم أن تعليم الصغار لمثل هذه الآداب لا ينسى ، يعني أن الطفل لا ينسى إذا علمته وهو صغير ، لكن إذا كبر ربما ينسى إذا علمته ، وربما يتمرد عليك بعض الشيء إذا كبر ، لكن ما دام صغيراً وعلمته يكون أكثر إقبالاً ، ومن اتقى الله في أولاده ؛ اتقوا الله فيه ، ومن ضيع حق أولاده ؛ ضيعوا حقه إذا احتاج إليهم .


(121) رواه البخاري ، كتاب الأطعمة ، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين ، رقم ( 5376 ) ، ومسلم ، كتاب الأشربة ، باب آداب الطعام والشراب وأحكامها ، رقم ( 2022 ) .
(122) رواه مسلم كتاب الأشربة ، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ، رقم ( 2020 ) .
(123) رواه البخاري ، كتاب الأطعمة ، باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه . . . ، رقم ( 5379 ) ، ومسلم ، كتاب الأشربة ، باب جواز أكل المرق . . . ، رقـم ( 2041 ) .

الموضوع التالي


4/301 ـ وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن (124). 5/302 ـ وعن أبي ثرية سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( علموا الصبي الصلاة لسبع سنين ، واضربوه عليها ابن عشر سنين )) حديث حسن رواه أبو داود، والترمذي، وقال : حديث حسن (125) . ولفظ أبي داود : (( مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين )) .

الموضوع السابق


38 ـ باب وجوب أمر أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى ، ونهيهم عن المخالفة ، وتأديبهم ، ومنعهم من ارتكاب منهيٍّ عنه قال الله تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) [طـه: 132] ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) [التحريم: 6] . 1/298 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كخ كخ ، أرم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟ )) متفق عليه (118) . وفي رواية : (( أنا لا تحل لنا الصدقة)) (119) ، وقوله : (( كخ كخ )) يقال بإسكان الخاء ويقال بكسرها مع التنوين ، وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات ، وكان الحسن رضي الله عنه صبياً .