4/315 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال فذلك لك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اقرؤوا إن شئتم : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [محمد: 22 ،23] متفق عليه (135) . وفي رواية للبخاري : فقال الله تعالى : (( من وصلك ، وصلته ، ومن قطعك ، قطعته )) (136) . 5/316 ـ وعنه رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أبوك )) متفق عليه (137) . وفي رواية:قال يا رسول الله ((من أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك ))(138) (( والصحابة)) بمعنى : الصحبة . وقوله : (( ثم أباك )) هكذا منصوب بفعل محذوف ، أي : ثم برأباك ، وفي رواية (( ثم أبوك )) وهذا واضح . |
هذان الحديثان في بيان فضل صلة الرحم ، والرحم سبق لنا أنهم هم الأقارب ، وصلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس ؛ لأنه لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنساها ولا مقدارها ؛ لأن النبي صلى عليه الله وسلم لم يقيده بشيء معين، فلم يقيده بأن يأكلوا معك أو يشربوا معك ، أو يكتسوا معك ؛ أو يسكنوا معك ، بل أطلق ، ولذلك يرجع فيها للعرف ، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة ، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة ، هذا هو الأصل .
فلو فرض أن االأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة ، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العرف ؛ لأن هذا العرف ليس عرفاً إسلامياً ، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلائم أسرها ، ولا يعرف بعضهم بعضاً ، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مثله مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً ؛ لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام ، ولا يعرفون حسن الجوار ، وكل أمورهم فوضى فاسدة ؛ لأن الكفر دمرهم تدميراً والعياذ بالله لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ ، فما عده الناس صلة فهو صلة ، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة . وفي حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها ، وفي هذا الحديث حث وترغيب في صلة الرحم ، فإذا أردت أن يصلك الله ـ وكل إنساك يريد أن يصله ربه ـ فصل رحمك ، وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك ، جزاء وفاقاً ، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل ؛ كان الله له أوصل ، وكلما قصر جاءه من الثوب بقدر ما عمل ، لا يظلم الله أحداً . وذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ قوله سبحانه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) فبين سبحانه وتعالى أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله أي : مطرودون ومبعدون عن رحمة الله ، وقد أصمهم الله أي : جعلهم لا يسمعون الحق ، ولو سمعوا ما انتفعوا به ، وأعمى أبصارهم ؛ فلا يرون الحق ، ولو رأوه لم ينتفعوا به ، فسد عنهم طرق الخير ؛ لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب ، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير ، والعياذ بالله . وقد ذكر أهل العلم من جملة الصلة النفقة على الأقارب ، فقالوا : إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم ، فإنه يلزمه النفقة عليهم ؛ كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق ، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنياً ، وأخوه فقيراً عاجزاً عن التكسب ، فإن هذا من جملة الصلة. وقالوا أيضاً : إن من جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه ؛ لأن إعفاف الإنسان من أشد الحاجات . وعلى هذا فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه ، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب ، وجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوة ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه ، وأن يزوجه أيضاً إذا احتاج إلى النكاح ؛ لأن الإعفاف من أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم . وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئاً أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [الأنبياء:7] والحديث الثاني في بيان أحق الناس بحسن صحبة الإنسان ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بذلك الأم ، فأعيد عليه السؤال فقال : أمك مرة ثانية ، كرر ذلك ثلاث مرات ، ثم بعد ذلك الأب ؛ لأن الأم حصل عليها من العناء والمشقة للولد ما لم يحصل لغيرها ؛ حملته أمه وهنا على وهن ، حملته كرها ً ووضعته كرهاً ، وفي الليل تمهد وتهدئه حتى ينام ، وإذا أتاه ما يؤلمه لم تنم الليلة حتى ينام .ثم إنها تفديه بنفسها بالتدفئة عند البرد ، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقهما مضاعفاً ثلاث مرات على حق الأب. ثم إنها أيضاً ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها ، فلهذا أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، وأوصى بالأب مرة واحدة ، وفي هذا الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضاً بقدر المستطاع . أعاننا الله والمسلمين على ذلك . وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ووصلنا والمسلمين بفضله وإحسانه . (135) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5987 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب صلة الرحم . . . ، رقم ( 2554 ) . (136) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من وصل وصله الله ، رقم ( 5988 ) . (137) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بالصحبة ، رقم ( 5971 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . .، رقم (2548) . (138) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب بر الوالدين وأنهما أحق . . ، رقم ( 2548 ) [2] . |