14/325 ـ وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمت على أمي وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ قال : (( نعم صلي أمك )) متفق عليه (146) . وقولها:(( راغبة )) أي : طامعة عندي تسألني شيئاً ؛ قيل : كانت أمها من النسب ، وقيل : من الرضاعة ، والصحيح الأول . 15/326 ـ وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن )) قالت : فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت له : إنك رجل خفيف ذات اليد ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته ، فسأله ، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم . فقال عبد الله : بل ائتيه أنت ، فانطلقت ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد ألقيت عليه المهابة ، فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك : أتجزي الصدقة عنهما على أزوجهما وعلى أيتام في حجورهما ؟ ولا تخبره من نحن ، فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من هما )) قال امرأة من الأنصار وزينب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أي الزيانب هي ؟ )) قال : امرأة عبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة )) متفق عليه (147) .
 
قال المؤلف فيما نقله عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها : إن أمها قدمت عليها المدينة وهي راغبة فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم هل تصلها أم لا ؟ وقالت: يا رسول الله ، إني أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ فأمرها أن تصلها .
وقولها : (( وهي راغبة )) قال بعض العلماء معناه : وهي راغبة في الإسلام ؛ فيكون الأمر بصلتها من أجل تأليفها على الإسلام ، وقيل : بل معنى قولها : وهي راغبة في أن أصلها ، ومتطلعة إلى ذلك ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلها ، وهذا هو الأقرب أنها جاءت تتشوق وتتطلع إلى أن تعطيها ابنتها ما شاء الله .
ففي هذا دليل على أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام ؛ لأن لهم حق القرابة ، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة لقمان : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) [لقمان: 15] ، يعني إن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله فلا تطعهما ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفاً ، أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة ، ولو كانا كافرين أو فاسقين ؛ لأن لهما حق القرابة .
وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الآية ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها أن تصل أمها مع أنها كافرة .
ثم إن صلة الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران : أجر الصدقة ، وأجر الصلة ، ودليل ذلك حديث زينب بنت مسعود الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالصدقة ، فرجعت إلى بيتها وكان زوجها عبد الله بن مسعود خفيف ذات اليد يعني أنه ليس عنده مال ، فأخبرته ، فطلب منها أن تتصدق عليه ، وعلى أيتام كانوا في حاجتها ، ولكنه أشكل عليها الأمر فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه ، فلما وصلت إلى بيته وجدت عنده امرأة من الأنصار ، حاجتها كحاجة زينب ، تريد أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تتصدق على زوجها ومن في بيتها .
فخرج بلال وكان النبي صلى الله قد أعطاه الله المهابة العظيمة ، وكل من رآه هابه ، لكنه من خالطه معاشرةً أحبه وزالت عنه الهيبة ، لكن أول ما يراه الإنسان يهابه هيبة عظيمة ، فإذا خالطه وعاشره أحبه وألفه صلى الله عليه وسلم ، فخرج بلال فسألهما عن حاجتهما فأخبرتاه أنهما يسألان النبي صلى الله عليه وسلم : هل تجوز الصدقة على أزواجهما ومن في بيتهما ؟ ولكنهما قالتا له : لا تخبر الرسول صلى الله عليه وسلم من هما ؛ أحبتا أن تختفيا.
فدخل بلال على النبي صلى الله وأخبره وقال : إن بالباب امرأتين حاجتهما كذا وكذا ، فقال : من هما ؟ وحينئذٍ وقع بلال بين أمرين بين أمانة ائتمنتاه عليها المرأتان ؛ حيث قالتا : لا تخبره من نحن ، ولكن الرسول قال من هما ؟ قال : امرأة من الأنصار ، وزينب .
فقال : أي الزيانب ؟ حيث اسم زينب كثير ، فقال : امرأة عبد الله ، وكان عبد الله بن مسعود خادماً للرسول صلى الله عليه وسلم يدخل بيته حتى بلا استئذان ، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم أهله وعرف حاله .
وهو إنما أخبره مع قولهما له لا تخبره ؛ لأن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة مقدمة على طاعة كل أحد .
فقال :إن صدقتهما على هؤلاء صدقة وصلة ، يعني فيها أجران : أجر الصدقة ، وأجر الصلة ؛ فدل ذلك على أنه يجوز للإنسان أن يتصدق على أولاده عند الحاجة ، ويتصدق على زوجته ، وكذلك الزوجة تتصدق على زوجها ، وأن الصدقة عليهم صدقة وصلة .
أما الزكاة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة ، مثل لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من نفقة ، وهو ممن تجب عليه النفقة ، وماله يتحمل ، فإنه لا يجوز له أن يعطيهما من الزكاة ، أما إذا كان ممن لا يجب عليه ، كما لو قضى ديناً عن أبيه أو عن ابنه أو زوجته ، أو قضت ديناً على زوجها فإن ذلك لا بأس به إذا كان المدين حياً ، أما إذا كان المدين ميتاً فلا يقضي عنه إلا تبرعاً ، أو من التركة ، ولا يقضي عنه من الزكاة .


(146) رواه البخاري ، كتاب الهبة ، باب الهبة للمشركين ، رقم ( 2620 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة . . . ، رقم ( 1003 ) .
(147) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر ، رقم ( 1466 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج ، رقم ( 1000 ) .

الموضوع التالي


16/327 ـ وعن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه ، في حديثه الطويل في قصة هرقل : أن هرقل قال لأبي سفيان : فماذا يأمركم به ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلت : يقول : (( اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدق ، والعفاف ، والصلة )) متفق عليه (148) . 18 / 328 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط ))(149) . وفي رواية : (( ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خبراً ؛ فإن لهم ذمة ورحما )) (150) . وفي رواية : (( فإذا افتتحتموها ، فأحسنوا إلى أهلها ، فإن لهم ذمة ورحما )) أو قال : (( ذمة وصهراً )) رواه مسلم (151) . قال العلماء : الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم (( والصهر )) : كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . 18/ 329 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214] ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ، فاجتمعوا فعم ، وخص وقال : (( يا بني عبد شمس ، يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها )) رواه مسلم (152) . قوله صلى الله عليه وسلم : (( ببلالها )) هو بفتح الباء الثانية وكسرها ، (( والبلال )) : الماء . ومعنى الحديث : سأصلها ، شبة قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة . 19/330 ـ وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول (( إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها )) متفق عليه (153) واللفظ للبخاري .

الموضوع السابق


7/318 ـ وعنه رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلى ، وأحلم عنهم ويجهلون على فقال : (( لئن كنت كما قلت ، فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك )) رواه مسلم (139) . (( وتسفهم )) بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء ، (( والمل )) بفتح الميم ، وتشديد اللام وهو الرماد الحار : أي كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الآلم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم ، لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه ، وإدخالهم الأذى عليه والله أعلم . 8/319 ـ وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ؛ فليصل رحمه )) متفق عليه (140) . ومعنى (( ينسأ له في أثره )) : أي يؤخر له في أجله وعمره . 9/320 ـ وعنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ، ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت هذه الآية : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92 ] ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الله تبارك وتعالى يقول : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله تعالى ، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها يا رسول الله ، حيث أراك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ! وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الآقربين )) فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . متفق عليه(141) . وسبق بيان ألفاظه في باب الإنفاق مما يحب . 10/321 ـ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى . قال : (( فهل لك من والديك أحد حي ؟ )) قال : نعم بل كلاهما قال : (( فتبتغي الأجر من الله تعالى ؟ )) قال : نعم . قال : (( فارجع إلى والديك ، فأحسن صحبتهما )) متفق عليه (142) ، وهذا لفظ مسلم . وفي رواية لهما : جاء رجل فاستأذنه في الجهاد فقال: (( أحي والداك ؟ قال : نعم قال،:(( ففيهما جاهد ))(143) 11/322 ـ وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمة وصلها )) رواه البخاري (144) . و (( قطعت )) بفتح القاف والطاء . و (( رحمة )) مرفوع . 12/ 323 ـ وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني : وصله الله ، ومن قطعني ؛ قطعه الله )) متفق عليه (145) .