باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه 1/341 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه )) (166) . 2/342 ـ وعن عبد الله ين دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله بن عمر ، وحمله على حمارٍ كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، قال ابن دينار : فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله بن عمر : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله يقول: ((إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه))(167) وفي رواية عن ابن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملّ ركوب الراحلة ، وعمامة يشد بها رأسه فبينا هو يوماً على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي ، فقال : ألست ابن فلان ابن فلان ؟ قال بلى . فأعطاه الحمار ، فقال : اركب هذا ، وأعطاه العمامة وقال : اشدد بها رأسك ، فقال له بعض أصحابه : غفر الله لك ! أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تروح عليه ، وعمامة كنت تشد بها رأسك ؟ فقال ؟ : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى)) (168) وإن أباه كان صديقاً لعمر رضي الله عنه . روى هذه الروايات كلها مسلم .
 
لما ذكر المؤلف رحمه الله ـ أحكام بر الوالدين وصلة الأرحام ؛ ذكر أيضاً حكام صلة من يصل الوالدين والأرحام ، وذلك للعلاقة التي بينهم وبين أقاربه ، أو بينهم وبين والديه ، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما ـ وهي قصة غريبة ـ كان ابن عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى مكة حاجاً يكون معه حمار يتروح عليه إذا مل الركوب على الراحلة ـ أي البعير ـ فيستريح على هذا الحمار ثم يركب الراحلة .
وفي يوم من الأيام لقيه أعرابي فسأله ابن عمر : أنت فلان ابن فلان ؟ قال : نعم ، فنزل عن الحمار وقال : خذ هذا اركب عليه ، وأعطاه عمامة كان قد شد بها رأسه ، وقال لهذا الأعرابي : اشدد رأسك بهذا .
فقيل لعبد الله بن عمر : أصلحك الله أو غفر الله لك ! إنهم الأعراب ، والأعراب يرضون بدون ذلك ، يعنون : كيف تنزل أنت عن الحمار تمشي على قدميك ، وتعطيه عمامتك التي تشد بها رأسك ، وهو أعرابي يرضى بأقل من ذلك .
مات أبو الرجل أو أمه أو أحد من أقاربه أن تبر أهل وده ، يعني ليس صديقه فقط بل حتى أقارب صديقه .
وإن أبا هذا كان صديقاً لعمر أي : لعمر بن الخطاب أبيه ، فلما كان صديقاً لأبيه ؛ أكرمه براً بأبيه عمر رضي الله عنه .
وفي هذا الحديث دليل على امتثال الصحابة ، ورغبتهم في الخير ومسارعتهم إليه ؛ لأن ابن عمر استفاد من هذا الحديث فائدة عظيمة ، فإنه فعل هذا الإكرام بهذا الأعرابي من أجل أن أباه كان صديقاً لعمر ، فما ظنك لو رأى الرجل الذي كان صديقاً لعمر ؟ لأكرمه أكثر وأكثر .
فيستفاد من هذا الحديث أنه إذا كان لأبيك أو أمك أحد بينهم وبينه ود فأكره ، كذلك إذا كان هناك نسوة صديقات لأمك ؛ فأكرم هؤلاء النسوة ، وإذا كان رجال أصدقاء لأبيك ؛ فأكرم هؤلاء الرجال ، فإن هذا من البر .
وفي هذا الحديث أيضاً : سعة رحمة الله عز وجل حيث إن البر بابه واسع لا يختص بالوالد والأم فقط ؛ بل حتى أصدقاء الوالد وأصدقاء الأم ، إذا أحسنت إليهم فإنما بررت والديك فتثاب ثواب البار بوالديه .
وهذه من نعمة الله عز وجل ، أن وسع لعباده أبواب الخير وكثرها لهم ، حتى يلجوا فيها من كل جانب ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا والمسلمين من البررة ، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


(166) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل صلة أصدقاء الأب و الأم ونحوهما ، رقم ( 2552 ) [ 12 ] .
(167) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما رقم ( 2552 ) [ 11 ] .
(168) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما ، رقم ( 2552 ) [ 13 ] .

الموضوع التالي


3/343 ـ وعن أبي أسيد ـ بضم الهمزة وفتح السين ـ مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال : بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال : (( نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنقاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما )) رواه أبو داود(169) . 4/344 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها ، وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة فيقول : (( إنها كانت وكان لي منها ولد )) متفق عليه (170) وفي رواية : وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن (171) وفي رواية : كان إذا ذبح الشاة يقول (( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ))(172) . وفي رواية قالت : استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة ، فارتاح لذلك فقال : (( اللهم هالة بنت خويلد ))(173) . قولها (( فارتاح )) هو بالحاء ، وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي : (( فارتاع )) بالعين ومعناه : أهتم به .

الموضوع السابق


2/337 ـ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس )) رواه البخاري(161) . (( واليمين الغموس )) التي يحلفها كاذباً عامداً ، سميت غموساً ؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم . 3/338 ـ وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( من الكبائر شتم الرجل والديه ! )) قالوا : يا رسول الله ، وهل يشتم الرجل والديه ؟! قال : (( نعم ؛ يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه )) متفق عليه (162) . وفي رواية : (( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ! )) قيل يا رسول الله ، كيف يلعن الرجل والديه ؟ ! قال : يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه )) . 4/339 ـ وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة قاطع )) قال سفيان في روايته : قاطع رحم . متفق عليه (163) . 5/340 ـ وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )) متفق عليه (164) قوله : (( منعاً )) معناه : منع ما وجب عليه . و (( هات )) : طلب ما ليس له . و (( وأد البنات )) معناه : دفنهن في الحياة . و (( قيل وقال )) معناه : الحديث بكل ما يسمعه ، فيقول : قيل كذا ، وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ، ولا يظنها ، وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع . و (( إضاعة المال )) : تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا ، وترك حفظه مع إمكان الحفظ ، و (( كثرة السؤال )) : الإلحاح فيما لا حاجة إليه . وفي الباب أحاديث سبقت في الباب قبله كحديث (( وأقطع من قطعك ))، وحديث :(( من قطعني قطعه الله)).