1/360 وعن أنس رضي الله عنه قال : قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ، فلما انتهيا إليها ، بكت ، فقالا لها : ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها . رواه مسلم (195) . 2/361 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية . قال . هل لك عليه من نعمة تربها عليه ؟ قال : لا ، غير أنى أحببته في الله تعالى ، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه )) رواه مسلم (196) . يقال: ((أرصده)) لكذا : إذا وكله بحفظه، و((المدرجة)) بفتح الميم والراء : الطريق ، ومعنى(( تربّها )) تقوم بها ،وتسعى في صلاحها . 3/363 ـ وعنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله، ناداه منادٍ : بأن طبت، وطاب معشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً))رواه الترمذي وقال: حديث حسن ، وفي بعض النسخ غريب.. 4/363 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك ، إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير ، إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة )) متفق عليه(198) . (( يحذيك )) : يعطيك .
 
هذه الأحاديث في بيان فضل زيارة الإخوان بعضهم لبعض والمحبة في الله عز وجل .
ففي الحديث الأول في قصة الرجلين من الصحابة رضي الله عنهما ، زارا امرأة كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها . فزاراها من أجل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم إياها .
فلما جلسا عندها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ أما تعلمين أن ما عند الله سبحانه وتعالى خير لرسوله ؟ يعني خير من الدنيا .
فقالت : إني لا أبكي لذلك ولكن لا نقطاع الوحي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات انقطع الوحي ، فلا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا أكمل الله شريعته قبل أن يتوفى ، فقال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً )[المائدة: 3] ، فجعلا يبكيان ؛ لأنها ذكرتهما بما كانا قد نسياه .
وأما الأحاديث الأخرى ففيها أيضاً فضل الزيارة لله عز وجل ، وأن الله سبحانه وتعالى يثيب من زار أخاه أو عاده في مرضه ، فيقال له : طبت وطاب ممشاك . ويقال لمن زار أخاه لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله : إن الله أحبك كما أحببته فيه .
والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر العظيم ، فهي تؤلف القلوب ، وتجمع الناس ، وتذكر الناسي ، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل ، وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها .
وأما عيادة المريض ففيها كذلك أيضاً من المصالح والمنافع الشيء الكثير ، وقد سبق لنا أنها من حقوق المسلم على المسلم : أن يعوده إذا مرض ، ويذكره بالله عز وجل ، بالتوبة والوصية وغير ذلك مما يستفيد منه .
فهذه الأحاديث وأشباهها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما فيه المودة والمحبة لإخوانه ؛ من زيارة وعيادة واجتماع وغير ذلك .


(195) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ، رقم ( 2554 ) .
(196) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب في فضل الحب في الله ، رقم ( 2567 ) .
(198) أخرجه البخاري كتاب الذبائح والصيد ، باب المسك ، رقم ( 5534 ) ، وسلم ، كتاب البر والصلة ، باب استحباب مجالسة الصالحين ، رقم ( 2628 ) .

الموضوع التالي


5/364 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تنكح المرأة لأربع : لمالها، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) متفق عليه (199) . ومعناه : أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع ، فاحرص أنت على ذات الدين ، واظفر بها ، واحرص على صحبتها . 6/365 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : (( ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ )) فنزلت : ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) رواه البخاري(200) . 7/366 ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) . رواه أبو داود ، والترمذي بإسناد لا بأس به (201) . 8/367 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )). رواه أبو داود ، والترمذي بإسناد صحيح ، وقال الترمذي : حديث حسن (202) . 9/368 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( المرء مع من أحب )) متفق عليه (203) . وفي رواية قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ قال : (( المرء مع من أحب )) .

الموضوع السابق


45 ـ باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) إلى قوله تعالى: ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) [60 ، 66] . وقال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) [الكهف: 28] .