50 ـ بـاب الخـوف قال الله تعالى : ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) [البقرة:40] . وقال تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج:12] . وقال تعالى : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) [هود: 102 ـ 106] . وقال تعالى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) [آل عمران: 28] . وقال تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) [عبس: 34 ـ37] . وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) [ الحج : 1 ـ2]. وقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) [الرحمن:46] . وقال تعالى : ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) ( قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) [الطور: 25 ـ 28] . والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات ، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ : باب الخوف ، الخوف ممن ؟ الخوف من الله عز وجل ؛ لأن الذي يعبد الله يجب أن يكون خائفاً راجياً ؛ إن نظر إلى ذنوبه وكثرة أعماله السيئة خاف ، إن نظر إلى أعماله الصالحة وأنه قد يشوبها شي من العجب والإدلال على الله خاف ، إن نظر إلى عفو الله ، ومغفرته ، وكرمه ، ورحمته رجا ؛ فيكون دائراً بين الخوف والرجاء .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) يعني : يعطون ما أعطوا من الأعمال الصالحة ( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) خائفة ألا تقبل منهم ( أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) [المؤمنون:60] .
فينبغي بل يجب أن يكون سير الإنسان إلى الله عز وجل دائراً بين الخوف والرجاء ، لكن أيهما يغلب ؟ هل يغلب الرجاء ؟ أو يغلب الخوف ؟ أو يجعلهما سواء ؟
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : ينبغي أن يكون خوفه ورجاءه واحداً ، فأيهما غلب هلك صاحبه ؛ لأنه إن غلب جانب الرجاء ، صار من الآمنين من عذاب الله ، وإن غلب جانب الخوف ؛ صار من القانطين من رحمة الله ، وكلاهما سيء ، فينبغي أن يكون خوفه ورجاءه واحداً .
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ آيات في سياق باب الخوف ، سبق بعضها ، ومنها قوله تعالى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران: 28] ، يعني أن الله عز وجل يحذرنا من نفسه أن يعاقبنا على معاصينا وذنوبنا ، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج: 1 ، 2] .
هذا أيضاً فيه أن الإنسان يجب أن يخاف هذا اليوم العظيم ، الذي قال الله عنه : ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) يعني من شدة ما ترى من الأهوال ومن الأفزاع .
( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ) يعني مشدوهين ، ليس عندهم عقول ، ولكنهم ليسوا بسكارى ( وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) .
وقال الله تبارك وتعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) [عبس:34] ، وسبق الكلام عليها .
وقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) [الرحمن:46] ، إلى آخر السورة ، أي من خاف المقام بين يدي الله عز وجل ، فإنه سوف يقوم بطاعته ، ويخشى من عقابه ، فله جنتان ، وفي أثناء الآيات يقول : ( وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ) [الرحمن:62] ، فهذه أربع جنات لمن خاف مقام الله عز وجل ، ولكن الناس فيها درجات . نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين من أهلها بمنه وكرمه .
وأما الأحاديث فكثير جداً ، فنذكر منها طرفاً وبالله التوفيق .

الموضوع التالي


1/ 396 ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق : (( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغه مثل ذلك ، ثم يرسل الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزق ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد ، فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينهما إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )) متفق عليه (243) .