51 ـ باب الرجاء قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53] . وقال تعالى : ( وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) [سـبأ: 17] . وقال تعالى : ( إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [طـه:48] . وقال تعالى : ( وَرَحـْمَتِي وَسـِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف: 156] . 1/412 ـ وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من شهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل )) . متفق عليه(259) . وفي رواية لمسلم : (( من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ؛ حرم الله عليه النار ))(260) . 2/413 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : من جاء بالحسنة ، فله عشر أمثالها أو أزيد ، ومن جاء بالسيئة ، فجزاء سيئه سيئة مثلها أو أغفر ، ومن تقرب مني شبراً ؛ تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب مني ذراعا ، تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا ؛ لقيته بمثلها مغفرة )) . رواه مسلم(261) . معنى الحديث : (( من تقرب إلى بطاعتي (( تقربت )) إليه برحمتي ، وإن زاد زدت ،(( فإن أتاني يمشي )) وأسرع في طاعتي (( أتيته هرولة )) أي : صببت عليه الرحمة ، وسبقته بها ، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود . (( وقراب الأرض )) بضم القاف ويقال بكسرها ، والضم أصح ، وأشهر ، ومعناه : ما يقارب ملأها ، والله أعلم . 3/414 ـ وعن جابر رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما الموجبتان ؟ فقال : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً ؛ دخل الجنة ؛ ومن مات يشرك به شيئاً ؛ دخل النار )) رواه مسلم (262) . 4/415 ـ وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاذ رديفه على الرحل قال : (( يا معاذ )) . قال لبيك يا رسول الله ، وسعديك ، قال : (( يا معاذ )) قال : لبيك يا رسول الله ، وسعديك ، قال : (( يا معاذ )) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثلاثاً ، قال : (( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار )) قال : يا رسول الله ، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : (( إذا يتكلوا )) فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً . متفق عليه(263) . وقوله ؛ (( تأثماً )) أي : خوفا من الإثم في كتم هذا العلم . |
لما ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ باب الخوف ؛ ذكر باب الرجاء ، وكأنه رحمه الله يغلب جانب الخوف ، أو يقول : إذا رأيت الخوف قد غلب عليك ؛ فافتح باب الرجاء .
ثم ذكر المؤلف آيات وأحاديث ؛ منها قول الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] . هذه الآية نزلت في التائبين ، فإن تاب ؛ تاب الله عليه وإن عظم ذنبه ، كما قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان: 68 ـ 70 ] فمن تاب من أي ذنب ؛ فإن الله يتوب عليه مهما عظم ذنبه ، لكن إن كانت المعصية في أمر يتعلق بالمخلوقين ، فلابد من إيفائهم حقهم في الدنيا قبل الآخرة ، حتى تصح توبتك . أما غير التائبين ، فقد قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )[النساء:48] فغير التائبين إن كان عملهم كفراً ، فإنه لا يغفر ، وإن كان سوى الكفر ، فإنه تحت المشيئة ، ؛ إن شاء الله عذب عليه ، وإن شاء غفر له . لكن إن كان من الصغائر ، فإن الصائر تكفر باجتناب الكبائر ، وببعض الأعمال الصالحة . ثم ذكر المؤلف أحاديث متعددة في هذا الباب ، وكلها أحاديث توجب للإنسان قوة الرجاء بالله عز وجل ، حتى يلاقي الإنسان ربه وهو يرجو رحمته ، ويغلبها على جانب الخوف . وفيها أحاديث مطلقة مقيدة بنصوص أخرى ، مثل ما ذكره رحمه الله في أن من لقي الله عز وجل لا يشرك يه شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار . المراد بهذا : الشرك وكذلك الكفر ؛ ككفر الجحود والاستكبار وما أشبه ذلك ، فإنه داخل في الشرك الذي لا يغفر . نسأل الله أن يجعلنا ممن يرجو رحمته ويخافون عذابه . (259) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قوله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا ) ، رقم ( 3435 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ، رقم ( 28 ) . (260) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة . . . ، رقم ( 29 ) . (261) رواه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله ، رقم ( 2687 ) . (262) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب من ملت لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة رقم ( 93 ) . (263) رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب من خص بالعلم قوما دون كراهية ، رقم ( 128 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد ، دخل الجنة ، رقم ( 32 ) . |