6/417 ـ وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه ، وهو ممن شهد بدراً ، قال : كنت اصلي لقومي ببني سالم ، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار ، فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إني أنكرت بصري ، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار ، فيشق علي اجتيازه ، فوددت أنك تأتي ، فتصلي في بيتي مكانا أتخذه مصلى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( سأفعل )) فغدا علي رسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق ، رضي الله عنه بعد ما أشتد النهار واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : (( أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ )) فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وصفننا وراءه فصلى ركعتين ، ثم سلم وسلمنا حين سلم فحبسته على خزيرة تصنع له ، فسمع أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي ، فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت فقام رجل : ما فعل مالك لا أراه ! فقال رجل : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله ، فقال رجل : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تقل ذلك ، ألا تراه قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى ؟!)) . فقال : الله ورسوله أعلم ، أما نحن فو الله ما نرى وده ، ولا حديثه إلا إلى المنافقين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي يذلك وجه الله )) متفق عليه(264) . و(( عتبان )) بكسر العين المهملة ، وإسكان التاء المثناه فوق وبعدها باء موحدة . و (( الخريرة )) بالخاء المعجمة ، والري : هي دقيق يطبخ بشحم . وقوله : (( ثاب رجال )) بالتاء المثلثة ، أي : جاؤوا واجتمعوا .
 
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن عتبان بن مالك رضي الله عنه ، وكان يؤم قومه بني سالم ، وكان بينه ؛ أي بين بيته وبين قومه وادٍ يعني شعيب يجري فيه السيل . فإذا جاء السيل ؛ شق عليه عبوره .
وأضف إلى ذلك أن بصره ضعف ، فصار يشق عليه مرتين ؛ من جهة المشي ، ومن جهة البصر والنظر . فجاء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وطلب منه أن يأتي إلى بيته ليصلي في مكان من البيت ، يتخذه عتبان مصلى يصلي فيه ، وإن لم يكن مسجداً .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( سأفعل )) ثم خرج هو وأبو بكر رضي الله عنه حين اشتد النهار ، وكان أبو بكر رفيقه حضراً وسفراً ، لا يفارقه ، كثيراً ما يكون معه ، وكثيراً ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : جئت أنا وأبو بكر وعمر ، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، رجعت أنا وأبو بكر وعمر .
فهما صاحباه ووزيراه رضي الله عنهما ، صاحباه في الدنيا ، وصاحباه في البرزخ ، وقريناه يوم القيامة هؤلاء الثلاثة يقومون لله رب العالمين من مكان واحد ، من البيت الذي دفن فيه الرسول عليه والصلاة والسلام ، والذي أصبح الآن في قرارة المسجد النبوي .
انظر إلى الحكمة : اختار الله عز وجل أن يكون البيت الذي دفن فيه الرسول داخل المسجد ؛ ليقوم هؤلاء الثلاثة يوم القيامة من وسط المسجد ، مسجد النبي عليه والصلاة والسلام .
وعلى هذا لا تكره شيئاً اختاره الله ، قد يختار الله شيئاً فيه مصلحة عظيمة لا تدري عنها أنت ، كره الناس أن يكون بيت الرسول الذي دفن فيه في وسط المسجد ، وقالوا : هذا شبهة لعباد القبور الذين يبنون المساجد على القبور .
ولكن ليس في ذلك شبهة ؛ لأن المسجد لم يبن على القبر ، وإنما امتد المسجد وبقي القبر في البيت مستقلاً عن المسجد ، ليس فيه حجة لآي إنسان إلا رجلاً مبطلاً ، يقول كما قال إبليس : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) [االأعراف: 12] ، لكن انظر الحكمة ؛ أن يكون خروجهم يوم القيامة من مكان واحد ، من جوف المسجد النبوي ، سبحان الله العظيم ، حكمة تغيب عن كثير من الناس .
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين اشتد النهار ، يعني حين ارتفعت الشمس إلى دار بني مالك ، فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ولم يجلس ؛ بل قال : أين تريد أن أصلي ؛ لأنه جاء لغرض ، فأحب أن يبدأ بالغرض الذي جاء من أجله قبل أي شيء ، وهذا من الحكمة ؛ أنك إذا أردت شيئاً لا تعرج إلى غيره حتى تنتهي منه من أجل أن تضبط الوقت ويبارك لك فيه .
كثير من الناس تضيع عليه الأوقات بسبب أنه يتلقف الأشياء . وأضرب لهذا مثلاً : هب أنك تريد أن تراجع مسألة من مسائل العلم في كتاب من الكتب ، تقرأ الفهرس ؛ لأجل أن تعرف أين مكان هذه المسألة ، ثم تمر بك مسألة فتقول أريد أن أطلع على هذه المسألة ، ثم تطلع على الأخرى ، ويفوتك المقصود الذي من أجله راجعت هذا الكتاب . لكن ابدأ أولاً بما أردت قبل أي شيء ، ثم بعد ذلك ما زاد فهو فضل .
فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمكان ، وصلوا معه جماعة ؛ لأن هذه جماعة عارضة لا دائمة .
ثم لما فرغ من صلاته ، إذا هو قد أعد له طعاماً زهيداً ، فسمع أهل الدار . الدار هو ما نسميه عندنا بالحي والحارة ، سمع أهل الدار أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عتبان بن مالك ، فثاب إليه أناس ، يعني اجتمعوا يريدون أن يهتدوا بالنبي عليه الصلاة والسلام ، ويسمعوا من قوله ، ويأخذوا من سنته ، فاجتمعوا فقالوا : أين فلان ، قالوا : ذاك منافق . ذاك منافق .
فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال ذلك وقال : (( لا تقل ذلك ، ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) .
فقال الرجل : الله ورسوله أعلم ؛ لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ؛ فهو مؤمن ليس منافقاً ، والمنافق يقولها رياء وسمعة ، لا تدخل قلبه و العياذ بالله ، أما من قالها يبتغي بها وجه الله ؛ فإنه مؤمن بها ، مصدق ، تدخل قلبه .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله )) فكل من قالها يبتغي بها وجه الله ، فإن الله يحرمه على النار ، لماذا ؟ لأنه إذا قالها يبتغي بها وجه الله ؛ فإنه سيقوم بمقتضاها ، ويعمل بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ، من أداء الواجب ، وترك المحرم ، والإنسان إذا أدى الواجب وترك المحرم ؛ أحل الحلال ، وحرم الحرام ، وقام بالفرائض ، واجتنب النواهي ، فإن هذا من أهل الجنة ، يدخل الجنة ويحرم الله عليه النار .
وليس في الحديث دليل على أن تارك الصلاة لا يكفر ؛ لأننا نعلم علم اليقين ، مثل الشمس ، أن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة . هذا محال ؛ فالذي يقول : أنا لأقول لا إله إلا الله أبتغي بذلك وجه الله ، وهو لا يصلي ، فهو من أكذب الكاذبين . لو كان يبتغي وجه الله ؛ ما ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين .
وفي هذا الحديث فوائد :
منها : أن من كانت حاله مثل حال عتبان بن مالك ، فإنه معذور بترك الجماعة وله أن يصلي في بيته ، مثل أن يكون بينه وبين المسجد وادٍ لا يستطيع العبور معه ، فإنه معذور .
ومنها : جواز قول الإنسان سأفعل في المستقبل ، إذا قال ستأتينا غداً ، قال : سآتيك وإن لم يقل إن شاء الله . فإن قال قائل : ما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً) (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) [الكهف: 23 ، 24] ، لشيء : عام سواء من فعل الله أو من فعلك ؟
قلنا : إن الذي يقول سآتيك غداً له نيتان :
النية الأولى : أن يقول هذا جازماً بالفعل ، فهذا لا يقوله إلا أن يقول إن شاء الله ؛ لأنه لا يدري أيأتي عليه الغد أو لا ، ولا يدري هل إذا أتى عليه الغد يكون قادراً على الإتيان إليه أو لا ، ولا يدري إذا كان قادراً ، يحول بينه وبينه مانع أو لا .
النية الثانية : إذا قال : سأفعل ، يريد أن يخبر عما في قلبه من الجزم دون أن يقصد الفعل ؛ فهذا لا بأس به ؛ لأنه يتكلم عن شيء حاضر ، مثل : لو قيل لك : هل ستسافر مكة ؟ قلت : نعم سأسافر ، تريد أن تخبر عما في قلبك من الجزم ، هذا شيء حاضر حاصل ، أما إن أردت الفعل ، أنك ستفعل يعني سيقع منك هذا لا تقل سأفعل إلا مقروناً بمشيئة الله .
ومنها : أن الإنسان يعذر بترك الجماعة فيما إذا كان بينه وبين المسجد ما يشق عليه من وحل أو ماء أو غيره ، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينادي مناديه في الليلة المطيرة ؛ أن صلوا في رحالكم يعني في أماكنكم ، وذلك من أجل أن لا يشق على الناس ، فأما إذا كان ماء بلا مشقة وبلا دحر ووحل ؛ فإنه لا يعذر الإنسان بترك الجماعة .
ومن فوائد حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه : أن المصلى الذي يكون في البيت لا يكون له حكم المسجد ، فلو أن الإنسان اتخذ مصلى في بيته لا يصلي إلا فيه فليس بمسجد ، سواء حجره أو لم يحجره .
وعلى هذا فلا تثبيت له أحكام المسجد ؛ فيجوز للإنسان أن يبقى فيه وهو جنب ، وإذا جلس فيه لا يلزمه تحية المسجد ، فكل أحكام المساجد لا تثبت له ، وإذا أراد أن يعتكف فيه ؛ لم يصح اعتكافه . حتى لو كانت امرأة ولها مسجد في بيتها ، فإنها لا تعتكف فيه .
ومن فوائد حديثه رضي الله عنه : أنه يجوز أن تقام الجماعة في النوافل ؛ لكن ليس دائماً بل أحياناً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراه عتبان المكان الذي يصلي فيه ، وتقدم وصلى بهم ركعتين وصلوا خلفه ، فإذا صلى الإنسان الراتبة مثلاً أو سنة الضحى ، إذا صلاها جماعة ؛ فلا بأس بذلك أحياناً .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى معه ابن عباس رضي الله عنهما صلاة الليل ، وصلى معه ابن مسعود ، وصلى معه حذيفة ، لكن ليس دائماً . فصلاة الجماعة نفلا أحياناً لا بأس بها .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا بأس أن يتخذ الإنسان مصلى يعتاد الصلاة فيه في بيته ، و لا يقال إن هذا مثل اتخاذ مكان معين في المسجد لا يصلي إلا فيه ، فإن هذا منهي عنه ، يعني ينهى الإنسان أن يتخذ في المسجد مكاناً لا يصلي إلا فيه ، مثل أنه لا يصلي النافلة ، لا تحية المسجد ولا غيرها إلا فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استيطان كاستيطان البعير ، يعني عن اتخاذ موطن كأعطان الإبل ، تأوي إليه وتبيت فيه .
ومنها : أنه يجب على الإنسان أن يحبس لسانه عن الكلام في الناس ، بنفاق ، أو كفر أو فسق ، إلا ما دعت الحاجة إليه ، فإنه لا بد أن يبينه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال رجل عن مالك : إنه منافق ، قال : (( لا تقل هكذا ؛ أما علمت أنه قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ؟ )) .
لكن هذا متى يحصل أن يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل بالإخلاص ؛ هو ليس بحاصل بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام ، إنما ليس لنا إلا الظاهر ، فمن طهر لنا من حاله الصلاح ؛ وجب علينا أن نحكم له بالصلاح ، وألا نغتابه ولا نسبه .
ومن فوائد هذا الحديث : محبة الصاحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والجلوس إليه ؛ لأنهم لما علموا أنه عند عتبان بن مالك ثابوا إليه ، واجتمعوا عنده ، ليتعلموا منه ، وينالهم من بركة علمه عليه الصلاة والسلام .
ومنها : ما سبق أن أشرنا إليه أن الإنسان يبدأ بالشغل الذي يريده قبل كل شيء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المكان قبل أن يجلس ، وقبل لأن ينظر إلى ما صنع له من الطعام .
ومن فوائده أيضاً : أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان على جانب كبير من التواضع ؛ لأنه لما انتهى من الصلاة ، يقول عتبان : حبسته على (خريرة ) نوع من الطعام ليس بذاك الجيد . حبسه : يعني قال له انتظر حتى ينتهي الطعام ، ويقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا شك أن فيه تواضعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنها : وهي من أكبر فوائد هذا الحديث . أن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ، فإن الله يحرم عليه النار (( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) يعني يطلب وجه الله .
ومعلوم أن الذي يقول هذا طالباً وجه الله ، فسيفعل كل شيء يقربه إلى الله ، من فروض ونوافل ، فلا يكون في هذا دليل للكسالى والمهملين ؛ يقولون : نحن نقول لا إله إلا الله نبتغي بذلك وجه الله . نقول : لو كنتم صادقين ما أهملتم العبادات الواجبة عليكم .


(264) رواه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب المساجد في البيوت ، ( 425 ) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ، رقم (33) [263 ] .

الموضوع التالي


7/418 ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بسبي ، فإذا امرأة من السبي تسعى ، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته ، فألزقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله . فقال : (( لله أرحم بعباده من هذه بولدها )) متفق عليه (265) . 8/419 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لما خلق الله الخلق ، كتب في كتاب ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي )) . وفي رواية : (( غلبت غضبي )) وفي رواية (( سبقت غضبي )) . متفق عليه(266) . 9/420 ـ وعنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( جعل الله الرحمة مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين ، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه )) . وفي رواية : (( إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن و الإنس والبهائم والهوام ، فيها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تعالى تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة )) متفق عليه(267) . ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن لله تعالى مائة رحمة ؛ فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم ، وتسع وتسعون ليوم القيامة)) (268) . وفي رواية : ((إن الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمه؛ كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة، أكملها بهذه الرحمة ))(269) . 11/422 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله تعالى ، فيغفر لهم )) رواه مسلم (270) . 11/423 ـ وعن أبي خالد بن زيد رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لولا أنكم تذنبون ؛ لخلق الله خلقا يذنبون ، فيستغفرون ، فيغفر لهم) رواه مسلم (271). 13/424 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا قعوداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا ، فأبطأ علينا ، فخشينا أن يقتطع دوننا ؛ ففزعنا ، فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار ـ وذكر الحديث بطوله إلى قوله : فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة )) رواه مسلم(272) . 14/425 ـ وعن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلم:( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)(إبراهيم:36) وقول عيسى صلى الله عليه وسلم : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118] ، فرع يديه وقال : (( اللهم أمتي أمتي )) وبكى ، فقال الله عز وجل : (( يا جبريل اذهب إلى محمدٍ ، وربك أعلم، فسله ما يبكيه ؟ )) فأتاه جبريل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله تعالى : (( يا جبريل اذهب إلى محمدٍ فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك )) رواه مسلم (273) .

الموضوع السابق


51 ـ باب الرجاء قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53] . وقال تعالى : ( وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) [سـبأ: 17] . وقال تعالى : ( إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [طـه:48] . وقال تعالى : ( وَرَحـْمَتِي وَسـِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف: 156] . 1/412 ـ وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من شهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل )) . متفق عليه(259) . وفي رواية لمسلم : (( من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ؛ حرم الله عليه النار ))(260) . 2/413 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : من جاء بالحسنة ، فله عشر أمثالها أو أزيد ، ومن جاء بالسيئة ، فجزاء سيئه سيئة مثلها أو أغفر ، ومن تقرب مني شبراً ؛ تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب مني ذراعا ، تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا ؛ لقيته بمثلها مغفرة )) . رواه مسلم(261) . معنى الحديث : (( من تقرب إلى بطاعتي (( تقربت )) إليه برحمتي ، وإن زاد زدت ،(( فإن أتاني يمشي )) وأسرع في طاعتي (( أتيته هرولة )) أي : صببت عليه الرحمة ، وسبقته بها ، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود . (( وقراب الأرض )) بضم القاف ويقال بكسرها ، والضم أصح ، وأشهر ، ومعناه : ما يقارب ملأها ، والله أعلم . 3/414 ـ وعن جابر رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما الموجبتان ؟ فقال : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً ؛ دخل الجنة ؛ ومن مات يشرك به شيئاً ؛ دخل النار )) رواه مسلم (262) . 4/415 ـ وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاذ رديفه على الرحل قال : (( يا معاذ )) . قال لبيك يا رسول الله ، وسعديك ، قال : (( يا معاذ )) قال : لبيك يا رسول الله ، وسعديك ، قال : (( يا معاذ )) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثلاثاً ، قال : (( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار )) قال : يا رسول الله ، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال : (( إذا يتكلوا )) فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً . متفق عليه(263) . وقوله ؛ (( تأثماً )) أي : خوفا من الإثم في كتم هذا العلم .