7/418 ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بسبي ، فإذا امرأة من السبي تسعى ، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته ، فألزقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله . فقال : (( لله أرحم بعباده من هذه بولدها )) متفق عليه (265) . 8/419 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لما خلق الله الخلق ، كتب في كتاب ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي )) . وفي رواية : (( غلبت غضبي )) وفي رواية (( سبقت غضبي )) . متفق عليه(266) . 9/420 ـ وعنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( جعل الله الرحمة مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين ، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه )) . وفي رواية : (( إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن و الإنس والبهائم والهوام ، فيها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تعالى تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة )) متفق عليه(267) . ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن لله تعالى مائة رحمة ؛ فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم ، وتسع وتسعون ليوم القيامة)) (268) . وفي رواية : ((إن الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمه؛ كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة، أكملها بهذه الرحمة ))(269) . 11/422 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله تعالى ، فيغفر لهم )) رواه مسلم (270) . 11/423 ـ وعن أبي خالد بن زيد رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لولا أنكم تذنبون ؛ لخلق الله خلقا يذنبون ، فيستغفرون ، فيغفر لهم) رواه مسلم (271). 13/424 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا قعوداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا ، فأبطأ علينا ، فخشينا أن يقتطع دوننا ؛ ففزعنا ، فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار ـ وذكر الحديث بطوله إلى قوله : فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة )) رواه مسلم(272) . 14/425 ـ وعن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلم:( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)(إبراهيم:36) وقول عيسى صلى الله عليه وسلم : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118] ، فرع يديه وقال : (( اللهم أمتي أمتي )) وبكى ، فقال الله عز وجل : (( يا جبريل اذهب إلى محمدٍ ، وربك أعلم، فسله ما يبكيه ؟ )) فأتاه جبريل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله تعالى : (( يا جبريل اذهب إلى محمدٍ فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك )) رواه مسلم (273) . |
هذه الأحاديث في باب الرجاء ، ذكرها المؤلف رحمه الله وهي كثيرة جداً منها : أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، ودليل ذلك قصة المرأة التي كانت في السبي فرأت صبياً ، فأخذته وألصقته على صدرها وأرضعته . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار )) . قالوا لا . قال : (( فالله أرحم بعباده من هذه بولدها )) .
وهذا من تمام رحمته سبحانه وتعالى . وآيات ذلك كثيرة ، منها النعم التي تترى علينا ، وأعظمها نعمة الإسلام ، فإن الله تعالى أضل عن الإسلام أمماً ، وهدى عباده المؤمنين لذلك وهي أكبر النعم . ومنها : أن الله أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين ؛ لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل . وكذلك ذكر المؤلف الأحاديث التي فيها أن رحمة الله سبقت غضبه ، ولهذا يعرض الله عز وجل المذنبين أن يستغفروا ربهم ، حتى يغفر لهم ، ولو شاء لأهلكهم ولم يرغبهم في التوبة . ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) [فاطر:45]، ولهذا قال في الحديث الذي رواه مسلم ، قال : (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم )) . وهذا ترغيب في أن الإنسان إذا أذنب ، فليستغفر الله ، فإنه إذا استغفر الله عز وجل بنية صادقة ، وقلب موقن فإن الله تعالى يغفر له ، ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] . ومنها : أن النبي صلى اله عليه وسلم لما تلا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الأصنام : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم:36] ، وقول عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118] ؛ رفع صلى الله عليه وسلم يديه وبكى ، وقال : (( يا رب ؛ أمتي أمتي )) فقال الله سبحانه وتعالى لجبريل (( اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك و لانسوؤك )) . وقد أرضاه الله عز وجل في لأمته، بأن جعل لهذه الأمة أجرها مضاعفاً، كما جاء في الحديث الصحيح(274) : أن مثل الأمة مع من سبقها ، كمثل رجل استأجر أجراء ، من أول النهار إلى الظهر ، فأعطاهم على دينار ديناراً ، واستأجر أجراء من الظهر إلى العصر وأعطاهم على دينار دينارً ، واستأجر أجراء من العصر إلى الغروب وأعطاهم على دينارين دينارين ، فاحتج الأولون وقالوا : كيف تعطينا على دينار دينار ونحن أكثر منهم عملاً وتعطي هؤلاء على دينارين دينارين . فقال لهم الذي استأجرهم : هل ظلمتكم شيئاً ؟ قالوا : لا . إذاً لا لوم عليه في ذلك ؛ ففضل الله على هذه الأمة كثير . وقد أرضاه الله في أمته ولله الحمد من عدة وجوه ، منها كثرة الأجر، وأنهم الآخرون السابقون يوم القيامة ، وأنها فضلت بفضائل كثيرة ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : (( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ))(275) . فهذه الخصائص له ولأمته عليه الصلاة والسلام . فالحاصل أن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله ، كلها أحاديث رجاء ، تحمل الإنسان على أن يعمل العمل الصالح ، يرجو بذلك ثواب الله ومغفرته . (265) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ، رقم ( 5999 ) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى . . . ، رقم ( 2754 ) (266) رواه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) ، رقم ( 7404 ) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله رقم (2751). (267) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب جعل الله الرحمة مائة جزء ، رقم ( 6000 ) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى . ، رقم ( 2752 ) (268) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمه الله تعالى . . . ، رقم ( 2753 ) . (269) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى . . . ، رقم ( 2753 ) [ 21 ] . (270) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب سقوط الذنب بالاستغفار توبة ، رقم ( 2749 ) . (271) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة ، رقم ( 2748 ) . (272) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على لأن من مات على التوحيد دخل الجنة ، رقم ( 31 ) . (273) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، رقم ( 202 ) . (274) رواه البخاري ، كتاب الإجازة ، باب الإجازة إلى نصف النهار ، رقم ( 2268 ) . (275) رواه البخاري ، كتاب التيمم ، باب وقول الله تعالى ( النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً . . . ، ) ، رقم ( 335 ) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، بدون ذكر الباب رقم ( 521 ) . |