15/426 ـ وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: (( يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله ؟ )) قلت: الله ورسوله أعلم . قال : (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا )) . فقلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟ قال : (( لا تبشرهم فيتكلوا )) متفق عليه(276) . 16/427 ـ وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فذلك قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم: 27] متفق عليه (277) . 17/428 ـ وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الكافر إذا عمل حسنة ، أطعم بها طعمة من الدنيا ، وأما المؤمن ، فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته ))(278) . وفي رواية : (( إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ، ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة ، لم يكن له حسنة يجزى بها )) رواه مسلم (279) . 19/430 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )) رواه مسلم (280) . 20/431 ـ وعن ابن مسعود رصي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين ، فقال : (( أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ )) قلنا : نعم ، قال : أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . قال : (( والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)) متفق عليه(281) . 21/432 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً ، فيقول : هذا فكاكك من النار ))(282) . وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم )) رواه مسلم (283) . قوله : (( دفع إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً ، فيقول : هذا فكاكك من النار )) معناه ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( لكل أحد منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار ؛ لأنه مستحق لذلك بكفره )) . ومعنى (( فكاكك )) : أنك كنت معرضاً لدخول النار ، وهذا فكاكك ؛ لأن الله تعالى قدر للنار عدداً يملؤها ، فإذا دخلها الكافر بذنوبهم وكفرهم ، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين . والله أعلم . 22/433 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه ، فيقرره بذنوبه ، فيقول: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : رب أعرف ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، فيعطى صحيفة حسناته )) متفق عليه (284) . (( كنفه )) ستره ورحمته . |
هذه الأحاديث المتعددة كلها في باب الرجاء ، ولكن الرجاء لابد أن يكون له عمل يبني عليه .
أما الرجاء من دون عمل يُبنى عليه ، فإنه تمنٍّ لا يستفيد منه العبد ، ولهذا جاء في الحديث : (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))(285) . فلابد من عمل يتحقق به الرجاء . ذكر المؤلف رحمه الله حديث معاذ بن جبل ؛ أنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار . فقال : له : (( أتدري ما حق الله على العباد ، وحق العباد على الله ؟)) قال الله ورسوله أعلم . وهذا من آداب طالب العلم ، إذا سئل عن شيء ؛ أن يقول الله أعلم ، ولا يتكلم فيما لا يعلم . قال (( حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً )) . يعني أن لا يعذب من عبده وهو لا يشرك به شيئاً ؛ لأن نفي الشرك يدل على الإخلاص والتوحيد ، ولا إخلاص وتوحيد إلا بعبادة . فقلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ فقال (( لا تبشرهم فيتكلوا )). يعني لا تبشرهم فيتكلوا على ما يجب ، ولا يقوموا بما ينبغي أن يقوموا به من النوافل ، ولكن معاذاً رضي الله عنه أخبر بها عند موته تأثماً . يعني خوفاً من إثم كتمان العلم فأخبر بها . ولكن قول الرسول : (( لا تبشرهم فيتكلوا )) فيه إنذار من الاتكال على هذا ، وأن الإنسان يجب أن يعلم أنه لابد من عبادة . وكذلك الأحاديث التي ذكرها المؤلف كلها في سياق الرجاء . منها أن المؤمن يسأل في القبر ، فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو القول الثابت الذي قال الله فيه: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم:27] ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . والميت في قبره يسأل عن ثلاث : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك أيضا ما ذكره رحمه الله من صفة محاسبة العبد المؤمن ، أن الله عز وجل يأتي يوم القيامة ، فيخلو بعبده المؤمن ، ويضع عليه كنفه يعني ستره ويقول : فعلت كذا وفعلت كذا ، ويقرره بالذنوب ، فإذا أقر قال (( كنت سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم . فيعطى كتاب حسناته باليمين )) . ومن ذلك أيضا أن المؤمنين كل واحد منهم يهودياً أو نصرانياً يوم القيامة ، ويقال : هذا فكاكك من النار ، يعني هذا يكون بدلك في النار ، وأما أنت فقد نجوت . فنحن يوم القيامة إن شاء الله تعالى كل واحد منا يجعل بيده يهودي أو نصراني يلقى في النار بدلاً عنه ، يكون فكاكاً له من النار . ولا يلزم من هذا أن يكون اليهود والنصارى على قدر المسلمين ، فالكفار أكثر من المسلمين بكثير ، من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم ؛ لأن بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار وواحد في الجنة . وذكر المؤلف أيضا حديثاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام عرض على الصحابة . فقال (( أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ، ثلث أهل الجنة ؟ قالوا : بلى ، قال : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة )) يعني : نصف أهل الجنة من هذه الأمة ، والنصف الباقي من بقية الأمم كلها ، وهذا يدل على كثرة هذه الأمة ، لأنها آخر الأمم ، وهي التي ستبقى إلى يوم القيامة . وقد جاء في السنن والمسند ، أن صفوف أهل الجنة مائة وعشرون (286) ، منها ثمانون من هذه الأمة ، فتكون هذه الأمة ثلثي أهل الجنة ، وهذا من رحمة الله عز وجل ومن فضل الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطى أجر كل من عمل بسنته وشريعته . (276) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب من جاهد نفسه في طاعة الله ، رقم ( 6500 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ، رقم ( 30 ) . (277) رواه البخاري ،كتاب التفسير،باب يثبت الله الذين آمنوا .، رقـم (4699) ، ومسلم ،كتاب الجنة ،باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ،رقـم (2871) . (278) رواه مسلم ، كتاب صفات النافقين ، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة ، رق ( 2808 ) [ 57 ] . (279) رواه مسلم ، كتاب صفات المنافقين ، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة ، رقم ( 2808 ) [56 ] . (280) رواه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه ، رقم ( 948 ) . (281) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب كيف الحشر ، رقم ( 6528 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب أهون أهل النار عذاباً ، رقم ( 221 ) . (282) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله ، رقم ( 2767 ) . (283) رواه مسلم ، كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله ، رقم ( 2767 ) [ 51 ] . (284) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله : ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا . . ، رقم ( 4685 ) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله ، رقم ( 2768 ) . (285) رواه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، بدون ذكر الباب ، رقم ( 2459 ) ، وابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب ذكر الموت والاستعداد له ، ( 4260 ) . (286) رواه الترمذي ، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة أهل الجنة ، رقم ( 2546 ) ، وابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب صفة أمة محمد . . . ، رقم ( 4289 ) . |