15/471- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل)). وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إذا أمسيت ، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" رواه البخاري . قالوا في شرح هذا الحديث معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريبُ الذي يريد الذهاب إلى أهله . وبالله التوفيق. 16/472- وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، دلنى على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يُحبك الناس)) حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة رواه ابن ماجة. 17/473- عنِ النعمانِ بن بشير رضي الله عنهما قال: ذكر عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا، فقال : لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي، ما يحدث من الدقلِ ما يملاٌ به بطنه. رواه مسلم. "الدقل" بفتحِ الدالِ المهملةِ والقافِ: رديءُ التمرِ. 18/474- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكلهُ ذُو كبد إلا شطرُ شعير في رف لي، فأكلتُ منهُ حتى طالَ علي، فِكلتُه ففني . متفق عليه. قولها :" شطر شعير". أي شيء من شعير. 19/475- وعن عمرو بن الحارث- أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين- رضي الله عنهما- قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحهُ، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري.
 
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في باب الزهد في الدنيا وترك المكاثرة فيها والرغبة في الآخرة، والمتاجرة فيها، فذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وأخذ بمنكبه من أجل أن يستعد لما يلقيه عليه فينتبه فقال: ((كن في الدّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يحتمل أن هذا من باب الشك، أي : أن الراوي شك، هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أو الثاني.
ويحتمل أنه من باب التنويع يعني: كن كالغريب الذي يداخل الناس ولا يهتم بالناس، ولا يعرف بين الناس، أو كأنك عابر سبيل تريد أن تأخذ ما تحتاجه في سفرك وأنت ماش.
وهذا التمثيل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو الواقع؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا مسافر، فالدنيا ليست دار مقر؛ بل هي دار ممر، سريعٌ راكبه لا يفتر ليلاً ولا نهاراً، فالمسافر ربما ينزل منزلاً فيستريح، ولكن مسافر الدنيا لا ينزل، هو دائماً في سفر، كل لحظة فإنك تقطع بها شوطاً من هذه الدنيا لتقرب من الآخرة.
فما ظنكم بسفر لا يفتأ صاحبه يمشي ويسير. أليس ينتهي بسرعة؟
الجواب: بلى ، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعـات:46) .
وينبغي للإنسان أن يقيس ما يستقبل من عمره بما مضي، فالذي مضى كأنه لا شيء، حتى أمسك الأدنى، كأنك لم تمر به، أو كأنه حلم، وكذلك فما يستقبل من دنياك، فهو كالذي تقدم، ولهذا لا ينبغي الركون إلى الدنيا ولا الرضا بها؛ وكأن الإنسان مخلد فيها.
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنه يقول: (( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء)) فإنك قد تموت قبل أن تمسي. (( وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح)) فإنك قد تموت قبل أن تصبح، ولكن انتهز الفرصة، لا تؤخر العمل، لا تركن إلى الدنيا فتؤمل البقاء مع أنك لا تدري.
" وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" انتهز الصحة، انتهز الحياة، فإنك قد تمرض فتعجز، وقد تفتقر فتعجز، وقد تموت فينقطع عملك.
ثم ذكر أحاديث في هذا المعنى، منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يترك شيئاً مما يأكله ذو كبد رطبة إلا شيئاً من الشعير" كما قالت ذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : (( لم يترك إلا شيئاً من الشعير)) ومع ذلك فإنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير أخذه لأهله. اضطر عليه الصلاة والسلام فأخذ من هذا اليهودي شعيراً، ابتاعه منه ورهنه درعه، فمات وهي مرهونة عنده عليه الصلاة والسلام.
وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أزهد الناس في الدنيا إذ لو شاء أن تصير معه الجبال ذهباً لصارت، ولكنه لا يريد هذا، يريد أن يتقلل من الدنيا حتى يخرج منها لا عليه ولا له منها؛ بل كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، ويعيش عيشة الفقراء. والله الموفق.

الموضوع التالي


20/476-وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال:"هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى ؛ فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعبُ بن عُميرٍ رضي الله عنه قُتل يوم أُحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسهُ بدت رجلاهُ، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسهُ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُغطي رأسهُ، ونجعل على رجليه شيئاً من الإذخر، ومنا من أينعت لهُ ثمرتهُ، فهو يهدبها".متفق عليه. 21/477- وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء)). رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح. 22/478- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه، وعالماً ومتعلماً". رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن. 23/479- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا)). رواهُ الترمذي وقال: حديث حسن. 25/481- وعن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي : المال)). رواهُ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 26/482- وعن أبي عمرو - ويقال أبو عبد الله ، ويقال أبو ليلى -عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنهُ، وثوب يُواري عورتهُ، وجلف الخُبز، والماء)). رواهُ الترمذي وقال حديثٌ صحيحٌ. قال الترمذي: سمعت أبا داود سليمان بن سالم البلخي يقول: سمعت النصر بن شميل يقول : الجلف: الخبز ليس معه إدام. وقال غيرهُ: هو غليظ الخبز. وقال الهروي: المراد به هنا وعاء الخبز: كالجوالق والخرج. والله أعلم. 27/483- وعن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين- رضي الله عنه أنهُ قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)قال: (( يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يابن آدم مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت!؟))رواهُ مسلم.

الموضوع السابق


9/465- وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كنت امشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة، فاستقبلنا أحد، فقال :" يا أبا ذر". قلت : لبيك يا رسول الله، فقال:" ما يسرني أن عندي مثل أحدِ هذا ذهبا تمضي على ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصدة لدين، إلا أن أٌول به في عباد الله هكذا، وهكذا وهكذا" عن يمينه وعنه شماله ومن خلفه. ثم سار فقال: " إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا" عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه" وقليل ما هم". ثم قال لي" مكانك لا تبرح حتى آتيك". ثم أنطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعتُ صوتاً قد ارتفع ، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم فأردت أن آتيه، فذكرتُ قوله (( لا تبرح حتى آتيك)) فلم أبرح حتى أتاني. فقلت : لقد سمعتُ صوتاً تخوفت منه، فذكرت له، فقال: " وهل سمعته؟" قلت: نعم، قال:" ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشركُ بالله شيئاً دخل الجنة". قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال:" وإن زنى، وإن سرق". متفق عليه. وهذا لفظ البخاري. 10/466- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو كان لي مثل أحدٍ ذهباً؛ لسرني أن لا تمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء ارصده لدين" متفق عليه. 11/467- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم. 12/468- وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تعِس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطى رضي؛ وإن لم يعط لم يرض" رواه البخاري. 13/469- وعنه رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، وما منهم رجل عليه رداء ؛ إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته" رواه البخاري. 14/470- وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( الدنيا سِجن المؤمن، وجنة الكافرِ)) رواه مسلم.