1/571- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها )) متفق عليه.وتقدم شرحه قريباً. 2/572- وعن ابنِ عُمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنين: رجلُ آتاهُ الله القُرآن. فهو يقومُ به آناء الليل وآناء النهارِ ورجلٌ آتاه الله مالاً، فهو ينفقهُ آناء الليل وآناء النهارِ)) متفق عليه. 3/573- وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن فقراء المُهاجرين آتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم فقال: (( وما ذاك؟ )) فقالوا يُصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصومُ ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتقُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكونُ أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (( تُسبحون وتحمدون وتكبرون ، دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة)) فرجع فقراءُ المُهاجرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلنا، ففعلُوا مثلهُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ذلِك فضلُ الله يؤتيه من يشاءُ)) متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم. " الدثُورُ": الأموال الكثيرةُ، والله أعلم.
 
ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في بيان الذين ينفقون أموالهم ويجودون بها في سبيل الله، ففي حديث عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما بيان أنه لا حسد إلا في اثنين، يعني : لا أحد يُغبط غبطة حقيقية إلا هذان الصنفان:
الأول : من آتاه الله العلم وهو الحكمة، فكان يعمل بها ويعلمها الناس، فهذا هو الذي يغبط؛ لأنك إذا قارنت بين حال هذا الرجل وحال الجاهل عرفت الفرق بينهما؛ الجاهل يعبد الله على جهل، ولا يعرف من شريعة الله إلا ما فعله الناس، فتجده يتبع الناس على الصواب والخطأ، وهذا نقص كبير في عبادة الرجل؛ لأن الإنسان إذا عبد الله على غير بصيرة؛ صارت عبادته ناقصة.
كذلك إذا قارنت بين رجل آتاه الله العلم ولكنه لم يعمل به، ورجل آتاه الله العلم فعمل به وعلمه الناس، تجد الفرق العظيم بين هذا وهذا، فالذي يغبط حقيقة هو الذي آتاه الله العلم فعمل به وعلمه الناس.
والثاني: رجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه في سبيل الله، في كل ما يرضي الله ليلاً ونهاراً، فهذا هو الذي يغبط، أما من آتاه الله المال ولكنه لم ينفقه في مرضاة الله؛ فلا غبطة فيه، ولا يغبط على ما أوتي؛ لأن هذا المال إن انتفع به؛ انتفع به في الدنيا فقط؛ لأنه لا ينفقه لله ولا في سبيل الله.
والرجل الثالث: رجلٌ فقيرٌ لم يؤت مالاً فهو أيضاً لا يغبط، فلا يغبط من ذوي المال إلا من آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فيما يرضي الله عز وجلَّ.
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: (( يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور)) جمع أجر (( بالدرجات العلى والنعيم المقيم )). قال : (( وما ذاك؟)) قالوا: (( يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق)) يعني فهم أفضل منا؛ لأن الله منَّ عليهم بالمال فبذلوه في طاعة الله، وفيما يرضي الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ )) فقالوا : (( بلى يا رسول الله ))، قال: (( تسبحون وتحمدون وتكبرون، دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة)) يعني تقولون : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين،فصاروا يفعلون ذلك ، لكن الأغنياء سمعوا بهذا فصاروا يقولنه ؛ يسبحون ويكبرون ويحمدون ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاة.
فرجع الفقراء مرة ثانية إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: " يا رسول الله ، سمع إخواننا أهل الأموال بما صنعنا فصنعوا مثله"، فقال عليه الصلاة والسلام:" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" يعني أن الله سبحانه وتعالى أغناهم وأعطاهم المال فبذلوه في طاعة الله، وهذا فضل الله.
وفي هذا دليلٌ على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتسابقون إلى الخير ؛ فالأغنياء لما سمعوا بما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام الفقراءَ بادروا إليه وفعلوه ، والفقراء جاءوا يشكون أنهم كانوا متأخرين عن أهل الأموال فقال لهم عليه الصلاة والسلام : ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)).
والخلاصة أنه ينبغي للإنسان إذا آتاه الله المال أن يبذله فيما يرضي الله، فإن هذا هو الذي يحسد، يعني يغبط على ما آتاه الله من المال.




411 تقدم تخريجه.
412 رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن، رقم(5025)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن يعلمه...، رقم(815)
413 رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة، رقم (6329، ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة...، رقم (595).

الموضوع السابق


64- باب فضل الغني الشاكر وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بها قال الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)( الليل :5-7) وقال تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) (إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى) (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (الليل:17-21). وقال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة:271) وقال تعالى :( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92) والآيات في فضل الإنفاق في الطاعات كثيرى معلُومةٌ.