2/586- وعن انسٍ رضي الله عنهُ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يتمنين أحدكم الموت لضرً أصابهُ، فإن كان لابد فاعلاً، فليقل : اللهم أحينى ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) متفق عليه. 3/587- وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعودُهُ وقد أكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا مَا لاَ نجدُ لهُ موضعاً إلا التُراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعُو بالموت لدعوتُ به، ثم أتيناه مرةً أخرى وهو يبني حائطاً لهُ، فقال: إن المسلم ليُؤجرُ في كل شيءً ينفقهُ إلا في شيء يجعلهُ في هذا الترابٍ. متفق عليه، وهذا لفظ وراية البخاري.
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب رياض الصالحين في كراهة تمني الموت لضرًّ نزل به إلا أن يكون لفتنة في الدين: قال أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يتمنين أحدكم الموت لضرًّ أصابه)) مثل أن يصاب الإنسان بمرض شديد، أو بفقر شديد، أو بدين متعب، أو ما أشبه ذلك فيقول: اللهم أمتني حتى أستريح من هذه الدنيا، فإن هذا حرام ولا يجوز؛ لأنه لو مات فإنه لن يستريح، ربما ينتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب في الآخرة أشد وأشد.
ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تتمنى الموت للضر الذي ينزل بك، ولكن قابل هذه المصائب بالصبر، والاحتساب، وانتظار الفرج، واعلم أن دوام الحال من المحال، والله عزَّ وجلَّ يقدَّر الليل والنهار، ويخلف الأمور على وجه لا يحتسبه الإنسان ولا يظنه؛ لأن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فلا تتمن الموت لضرّ نزل بك.
أما ما يتعلق بفتنة الدين، إذا افتتن الناس في دينهم وأصابتهم فتنة؛ إما في زخارف الدنيا أو غيرها من الفتن، أو أفكار فاسدة، أو ديانات منحرفة أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً لا يتمنى بسببه الإنسان الموت، ولكن يقول اللهم اقبضني إليك غير مفتون ، فيسأل الله أن يثبته وأن يقبضه إليه غير مفتون.
وإلا فليصبر لأنه ربما يكون بقاءه مع هذه الفتن خيراً للمسلمين؛ يدافع عنهم ويناضل، ويساعد المسلمين ، ويقوي ظهورهم، لكن يقول اللهم إن أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضني إليك غير مفتون.
قال النبي عليه الصلاة والسلام (( فإن كان لا بد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) ؛ فأنت لا تدري أيها الإنسان وجه الخير في ذلك، لكن اجعل الأمر إلى الله : (( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي)) يعني إذا كانت. (( وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) .
فإذا دعوت الله بهذا الدعاء؛ فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءك. وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز الشرط في الدعاء، أن تشترط على الله عز وجلّ في الدعاء، وقد جاء ذلك في نصوص أخرى؛ مثل آية اللعان فإن الزوج يقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وهي تقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فالشرط في الدعاء لا بأس به.
ثم ذكر المؤلف حديث قيس بن حازم حين دخلوا على خبَّاب بن الآرت رضي الله عنه وهو من الصحابة الآجَّلاء ، دخلوا يعودونه بعد أن فتحت الدنيا على المسلمين.
والمسلمون كانوا في العهد الأول فقراء، ولكن الله أغناهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها من الكفار فإذن الله، كما قال تعالى : (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ) (الفتح:20) وقال: (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا) (الفتح:19) .
فلما فتح الله على المسلمين؛ كثرت الأموال عندهم، فزادت وتطوّرت، وحصل من بعضهم ترف، وصار بعضهم إذا قدم له الغداء أو العشاء يبكي على ما كان السَّلف عليه من ضحالة العيش وقلة ذات اليد.
دخلوا على خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه وهو مريضٌ وقد اكتوى سبع كيَّات.
والكَيُّ أحد الأدوية النافعة بإذن الله ، ثلاثة أشياء نصَّ عليها الرسول عليه الصلاة والسلام وبين أن بها الشفاء بإذن الله: (( والكي، والحجامة، والعسل)) ؛ هذه الثلاثة من أنفع ما يكون بإذن الله عزَّ وجلّ ، وهناك بعض العلل لا ينفع فيها إلا الكي، فمثلاً ذات الجنب، وهو داء يصيب الرئة فتتجلط وتلصق بالصدر ويموت الإنسان منها إلا أن يشفيه الله عزَّ وجلَّ بأسباب.
هذا النوع من الأمراض لا ينفع فيه إلا الكي، كم من مريض يصاب بذات الجنب يذهب إلى الأطباء ويعطونه الإبر والأدوية وغيرها ولا ينفع؟! فإذا كوي برأ بإذن الله.
كذلك هناك أشياء تصيب الأمعاء تسمى عند أطباء العرب الطير؛ لأنها تتفرق في الجسد، هذه أيضاً لا ينفع فيها إلا الكي، مهما أعطيت المريض من الأدوية لا ينفع فيها إلا الكي.
هناك أيضاً شيء ثالث يسمى عند الناس الحبة، ورم يظهر في الفم أو في الحلق، وإذا انفجر هلك الإنسان، هذا أيضاً لا ينفع فيه إلا الكي، وأشياء كثيرة لا ينفع فيها إلا الكي.
كوى خباب بن الأرت رضي الله عنه سبع كيات، ثم جاءه أصحابه يعودونه فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الإنسان يؤجر على كل شيء أنفقه إلا في شيء يجعله في التراب)) يعني في البناء؛ لأن البناء إذا اقتصر الإنسان على ما يكفيه ؛ فإنه لا يحتاج إلى كبير نفقة.
يبني له حجرة تكفيه هو وعائلته كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق، كان بيوته حُجراً ، حجرة واحدة له ولزوجته، وليس فيها أكثر من ذلك، وعند قضاء الحاجة يخرجون إلى الخلاء ويقضون حاجتهم فيه.
لكن تتطور الناس، ومن علامات الساعة: أن ترى الحفاة العراة العالة - يعني الفقراء- يتطاولون في البنيان؛ يتطاولون في البناء في علوَّه في السماء، أو في تذويقه وتحسينه، فهذا المال الذي يجعل في البناء لا يؤجر الإنسان عليه، اللهم إلا بناء يجعله للفقراء يسكنونه، أو يجعل غلته في سبيل الله، أو ما أشبه ذلك، فهذا يؤجر عليه، لكن بناء يسكنه ، هذا ليس فيه أجرا؛ بل ربما إذا زاد الإنسان فيه حصل له وزر، مثل ما يفعل بعض الفقراء الآن.
الآن عندنا فقراء يتدين الإنسان منهم إلى عشر سنين أو خمسة عشر وإن طال الآجل إلى عشرين سنة، من أجل أن يرصّع بنيانه بالأحجار الجميلة، أو من أجل أن يضع له أقواساً أو شرفات، أو ما أشبه ذلك وهو مسكين يعمل هذا العمل المنهي عنه ويستدين على نفسه الديون الكثيرة.
وأما البنيان الذي يكون على حسب العادة، يعني لو أن الناس اعتادوا بنياناً معيناً، وأراد الإنسان أن يبني ما كان على العادة، وما كان ينبسط فيه أهله بدون إسراف ، وبدون أن يستدين؛ فهذا لا بأس به وليس فيه إثم إن شاء الله .





440 رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضرّ نزل به رقم (2682).
441 رواه البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (5671)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به رقم (2680).
442 رواه البخاري، كتاب المرضى، باب تمنى المريض الموت، رقم (5672)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء باب كراهة تمنى الموت لضر نزل به رقم (2681).
443 رواه البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث ، رقم (5681).

الموضوع السابق


67- باب كراهة تمني الموت بسبب ضُرّ نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين 1/585- عن أبي هُريرة رضي الله عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتمن أحدكم الموت إما مُحسناً ، فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعلهُ يستعتب)) متفق عليه وهذا لفظ البخاري. وفي رواية لمسلم عن أبي هُريرة رضي الله عنهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لاَ يتمن أحدُكم الموت، ولا يدعُ به من قبلِ أن يأتيهُ، أنهُ إذا مات انقطع عملهُ، وإنهُ لا يزيدُ المؤمنَ عمرهُ إلا خيراً))