1/202- وعن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله لصلى الله عليه وسلم : (( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ)) رواه مسلم. 2/603- وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحداً إلا رفعةُ الله)) رواه مسلم. 4/604- وعنه قال: إن كانت الأمةُ من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيثُ شاءت. رواه البخاري.
 
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب التواضع؛ فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا)) يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه؛ بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف- رحمهم الله- إن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه، ومن هو أكبر مثل أبيه، ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى من هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عزّ وجلّ ولإخوانه من المسلمين.
وأما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع، لكن من كان له عهد وذمة فإنه يجب على المسلمين أن يفوا له بعهده وذمته، وألا يخفروا ذمته، وألا يؤذوه ما دام له عهد.
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( ما نقصت صدقة من مال)) يعني أن الصدقات لا تنقص الأموال كما يتوهمه الإنسان ، وكما يعد به الشيطان ، فإن الشيطان كما قال الله عزّ وجلَّ: ( يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ )(البقرة: 268)
الفحشاء: كل ما يستفحش من بخل أو غيره، فهو يعد الإنسان الفقر، إذا أراد الإنسان أن يتصدق قال: لا تتصدق هذا ينقص مالك، هذا يجعلك فقيراً، لا تتصدق، أمسك ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الصدقة لا تنقص المال، فإن قال قائل: كيف لا تنقص المال، والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدق بعشرة صار عنده تسعون، فيقال : هذا نقص كمًّ، ولكنها تزيد في الكيف، ثم يفتح الله للإنسان أبواباً من الرزق تردّ عليه ما أنفق، كما قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سـبأ: 39)، إي يجعل بدله خلفاً، فلا تظن أنك إذا تصدقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال؛ بل يزيده بركة ونماءً، وترزق من حيث لا تحتسب.
(( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً))، يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه: إن هذا ذل وخضوع وخذلان، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحداً بعفو إلا عزاً، فيعزه الله ويرفع من شأنه، وفي هذا حثّ على العفو، ولكن العفو مقيد بما إذا كان إصلاحاً؛ لقول الله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى:40).
أما إذا لم يكن إصلاحاً بل كان إفساداً؛ فإنه لا يؤمر به، مثال ذلك: اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر ، فهل نقول للآخر الذي اعتُدي عليه: اعف عن هذا الشرير؟ لا نقول : اعف عنه؛ لأنه شرير، إذا عفوت عنه تعدَّى على غيرك من الغد، أو عليك أنت أيضاً، فمثل هذا نقول : الحزم، والأفضل أن تأخذه بجريرته، يعني أن تأخذ حقك منه، وألا تعفو عنه؛ لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح؛ بل لا يزيدهم إلا فساداً وشراًّ.
فأما إذا كان في العفو خير وإحسان، وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك فهذا خير.
(( وما تواضع أحد لله إلا رفعه)) هذا الشاهد من الحديث: ((ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)).
والتواضع لله له معنيان:
المعني الأول: أن تتواضع لدين الله ، فلا تترفع عن الدين ولا تستكبر عنه وعن أداء أحكامه.
والثاني : أن تتواضع لعباد الله من أجل الله، لا خوفاً منهم، ولا رجاء لما عندهم ، ولكن لله عزَّ وجلَّ.
والمعنيان صحيحان، فمن تواضع لله؛ رفعه الله عزّ وجلّ في الدنيا وفي الآخرة، وهذا أمر مشاهد، أن الإنسان المتواضع يكون محل رفعة عند الناس وذكر حسن، ويحبه الناس، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق، حيث كانت الأمة من إماء المدينة تأتي إليه، وتأخذ بيده، وتذهب به إلى حيث شاءت ليعينها في حاجتها، وهذا هو أشرف الخلق، أمة من الإماء تأتي وتأخذ بيده تذهب به إلى حيث شاءت ليقضى حاجتها، ولا يقول أين تذهبين بي، أو يقول: اذهبي إلى غيري، بل كان يذهب معها ويقضي حاجتها، لكن مع هذا ما زاده الله عز وجلّ بذلك إلا عزّاً ورفعة صلوات الله وسلامه عليه.

الموضوع التالي


3/605- وعن أنس رضي الله عنه ُأنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلهُ . متفق عليه. 5/606- وعن الأسود بن يزيد رضي الله عنه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- يعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. رواه البخاري. 6/607- وعن أبي رفاعة تميم بن أُسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت : يا رسول الله، رجل غريبٌ جاء يسألُ عن دينه لا يدري ما دينُهُ؟ فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خُطبتهُ حتى انتهى إليّ ، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يُعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبتهُ، فأتم آخرها. رواه مسلم.

الموضوع السابق


71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء:215) . وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)(المائدة:54) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات:13) وقال تعالى: ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)(النجم: 32) وقال تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ)(أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الأعراف:49،48) .