3/605- وعن أنس رضي الله عنه ُأنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلهُ . متفق عليه. 5/606- وعن الأسود بن يزيد رضي الله عنه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- يعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. رواه البخاري. 6/607- وعن أبي رفاعة تميم بن أُسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت : يا رسول الله، رجل غريبٌ جاء يسألُ عن دينه لا يدري ما دينُهُ؟ فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خُطبتهُ حتى انتهى إليّ ، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يُعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبتهُ، فأتم آخرها. رواه مسلم.
 
هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين في بيان تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها أنه كان يسلم على الصبيان إذا مرّ عليهم، مع أنهم صبيان غير مكلفين ومع ذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليهم، واقتدى به أصحابه رضي الله عنهم، فعن أنس رضي الله عنه أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، يمر بهم في السوق يلعبون فيسلم عليهم ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله: أي : كان يسلم على الصبيان إذا مَر عليهم، وهذا من التواضع وحسن الخلق، ومن التربية وحسن التعليم والإرشاد والتوجيه؛ لأن الصبيان إذا سلَّم الإنسان عليهم، فإنهم يعتادون ذلك، ويكون ذلك كالغريزة في نفوسهم.
إن الإنسان إذا مرّ على أحد سلم عليه، وإذا كان هذا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان، فإننا نأسف لقوم يمرون بالكبار البالغين ولا يسلمون عليهم والعياذ بالله، قد لا يكون ذلك هجراً أو كراهة، لكن عدم مبالاة، وعدم اتباع للسنة، جهل، غفلة، وهم إن كانوا غير آثمين؛ لأنهم لم يتخذوا ذلك هجراً، لكنهم قد فاتهم خيرٌ كثير.
فالسنة أن تسلم على كل من لقيت، وأن تبدأه بالسلام ولو كان أصغر منك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام، وهو عليه الصلاة والسلام أكبر الناس قدراً، ومع ذلك كان يبدأ من لقيه بالسلام.
وأنت إذا بدأت من لقيته بالسلام؛ حصلت على خير كثير، منه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنه أنك تكون سبباً لنشر هذه السنة التي ماتت عند كثير من الناس، ومعلوم أن إحياء السنن يؤجر الإنسان عليه مرتين، مرة على فعل السنة، ومرة على إحياء السنة.
ومنه أن تكون السبب في إجابة هذا الرجل وإجابته فرض كفاية، فتكون سبباً في إيجاد فرض الكفاية من هذا الرجل.
ولهذا كان ابتداء السلام أفضل من الرد، وإن كان الرد فرضاً وهذا سنة، لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة؛ كانت السنة أفضل من هذا الفرض؛ لأنه مبني عليها.
وهذه من المسائل التي ألغز بها بعض العلماء وقال: عندنا سنة أفضل من الفريضة؛ لأنه من المتفق عليه أن الفرض أفضل، مثلاً صلاة الفجر ركعتان أفضل من راتبتها ركعتين؛ لأنها فرض والراتبة سنة، لكن ابتداء السلام سنة، ومع ذلك صار أفضل من رده؛ لأن رده مبنى عليه.
فالمهم أنه ينبغي لنا إحياء هذه السنة، أعني إفشاء السلام، وهو من أسباب المحبة، ومن كمال الإيمان، ومن أسباب دخول الجنة، قال النبي صلى عليه الصلاة والسلام: (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم)) .
ومن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في بيته في خدمة أهله، يحلب الشاة، يخصف النحل، يخدمهم في بيتهم ؛ لأن عائشة سئلت ماذا كان النبي صلى اله عليه وسلم يضع في بيته؟، قالت: (( كان في مهنة أهله، يعني في خدمتهم عليه الصلاة والسلام.
فمثلاً الإنسان إذا كان في بيته فمن السنة أن يصنع الشاي مثلاً لنفسه، ويطبخ إذا كان يعرف، ويغسل ما يحتاج إلى غسله، كل هذا من السنة، أنت إذا فعلت ذلك تثاب عليه ثواب سنة، اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام وتواضعاً لله عزّ وجل؛ ولأن هذا يوجد المحبة بينك وبين أهلك، إذا شعر أهلك أنك تساعدهم في مهنتهم أحبوك، وازدادت قيمتك عندهم، فيكون في هذا مصلحة كبيرة.
ومن تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جاءه رجلٌ وهو يخطب الناس فقال: ((رجل غريب جاء يسأل عن دينه)) كلمة استعطاف؛ بل كلمة غريب، وجاء يسأل ، يسأل مالاً، بل جاء يسأل عن دينه، فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع خطبته، حتى انتهى إليه، ثم جيء إليه بكرسي، فجعل يعلم هذا الرجل؛ لأن هذا الرجل جاء مشفقاً محباً للعلم ، يريد أن يعلم دينه حتى يعمل به، فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع الخطبة، ثم بعد ذلك أكمل خطبته، وهذا من تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وحسن رعايته.
فإن قال قائل :أليست المصلحة العامة أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصة؟ وحاجة هذا الرجل خاصة، وهو صلى الله عليه وسلم يخطب في الجماعة؟ قلنا: نعم لو كانت مصلحة العامة تفوت؛ لكان مراعاة المصلحة العامة أولى، لكن مصلحة العامة لا تفوت، بل إنهم سيستفيدون مما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الغريب، والمصلحة العامة لا تفوت.
وهذا الغريب الذي جاء يسأل عن دينه إذا أقبل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمه كان في هذا تأليف لقلبه على الإسلام، ومحبة للإسلام، ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من حكمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى.

الموضوع التالي


7/608- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: (( إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان)) وأمر أن تسلت القصعة قال: (( فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)) رواه مسلم. 9/610- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لو دعيت إلى كراع أو ذراع لآجبتُ، ولو أهدي إلى ذراعٌ أو كراعٌ لقبلتُ)) رواه البخاري. 10/611- وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكادُ تسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ)) رواه البخاري.

الموضوع السابق


1/202- وعن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله لصلى الله عليه وسلم : (( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ)) رواه مسلم. 2/603- وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحداً إلا رفعةُ الله)) رواه مسلم. 4/604- وعنه قال: إن كانت الأمةُ من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيثُ شاءت. رواه البخاري.