7/608- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: (( إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان)) وأمر أن تسلت القصعة قال: (( فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)) رواه مسلم. 9/610- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لو دعيت إلى كراع أو ذراع لآجبتُ، ولو أهدي إلى ذراعٌ أو كراعٌ لقبلتُ)) رواه البخاري. 10/611- وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكادُ تسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ)) رواه البخاري.
 
هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب التواضع، فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث. لعقها: يعني لحسها حتى يكون ما بقي من الطعام فيها داخلاً في طعامه الذي أكله من قبل، وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء؛ أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئاً يعين على هضم الطعام.
فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان:
فائدة شرعية : وهي الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وفائدة صحية طبيه : وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم.
والمؤمن لا يهمه ما يتعلق بالصحة البدينة، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به؛ لأن فيه صحة القلب، وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع؛ كان إيمانه أقوى.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( إذا سقطت لقمة أحدكم )) يعني على الأرض أو على السفرة (( فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان )) فإذا سقطت اللقمة أو التمرة أو ما أشبه ذلك على السفرة؛ فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب أو عيدان وكلها؛ تواضعاً لله عز وجلّ، وامتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرماناً للشيطان من الأكل معك، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان.
والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسم، فإن الشيطان يشاركه في أكله.
والثالث أمر بسلت الصحن أو القصعة، وهو الإناء الذي فيه الطعام، فإذا انتهيت فأسلته، بمعنى أن تلحسه، تمر يدك عليه وتتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقه.
وهذا أيضاً من السنة التي غفل عنها كثيرٌ من الناس مع الأسف كثير من الناس حتى من طلبة العلم أيضاً، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقياً فيها، لا يلعقون الصحفة، وهذا حلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال: (( لا تدرون في أي طعامكم البركة )) قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة.
وفي هذا الحديث حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه؛ لأن ذكر الحكمة مقروناً بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى : بيانه سمو الشريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده، وما من شيء نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه.
الفائدة الثانية : زيادة اطمئنان النفس؛ لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله، لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيماناً، وازداد يقيناً، ونشط على فعل المأمور أو ترك المحظور.
ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له، ناقة ليست كبيرة، أو جمل ليس بكبير، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حجّ عليها، هذه ناقة أخرى، وكان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه وسلاحه وما أشبه ذلك.
فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تُسبق أو لا تكاد تُسبق، فجاء هذا الأعرابي بقعوده فسبق العضباء، فكأن ذلك شقَّ على الصحابة رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم: ((حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه)).
فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يئول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلو في النفوس، فإن الوضع إليه أسرع؛ لأن الوضع يكون عقوبة، وأما إذا لم يصحبه شيء، فإنه لابد أن يرجع ويوضع؛ كما قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ)(يونس: 24)أي ظهر فيه من كل نوع.
( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ )(يونس: 24)ذهبت كلها. كل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف، كله يزول كأن لم يكن، وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيراً ضعيفاً، ثم يقوى، فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم، فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عزّ وجلّ.
وفي قوله عليه الصلاة والسلام : "(( من الدنيا )) دليلٌ على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )(المجادلة: 11) ، هؤلاء لا يضعهم الله عزّ وجلّ ما داموا على وصف العلم والإيمان، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله؛ بل يرفع لهم الذكر ، ويرفع درجاتهم في الآخرة، والله الموفق.




466 رواه مسلم ، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، رقم (2166).
467 رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه)رقم (7405)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (2675).
468 رواه ابو داود ، كتاب الأدب ، باب في التفاخر بالأحساب، رقم (5116) والترمذي كتاب المناقب، باب في فضل الشام واليمن، رقم (3956).
469 رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قول الله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ) : رقم (3493) ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب خيار الناس، رقم (2526).
470 رواه مسلم، كتاب الجنة باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة، رقم (2865) (64).
471 رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع ، رقم (2588).
472 رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب الكبر، رقم (6072)
473 رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان، رقم (6247)، ومسلم ، كتاب السلام ، باب استحباب السلام على الصبيان، رقم (2168).
474 رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة...، رقم (676).
475 رواه مسلم، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (876).
476 رواه مسلم ، كتاب الإيمان، باب انه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم (54).
477 رواه مسلم ن كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع، رقم (2034).
478 رواه البخاري، كتاب الهبة، باب القليل من الهبة، رقم (2568).
479 رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (2872).

الموضوع التالي


72- باب تحريم الكبر والإعجاب قال الله تعالى:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص:83) وقال تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) (الاسراء:37) .وقال تعالى: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18). ومعنى (تُصَعِّرْْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي: تميلُه وتعرضُ به عن الناس تكبراً عليهم "والمرح" : التبختُر. وقال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص:76) إلى قوله تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)(القصص:81) الآيات.

الموضوع السابق


3/605- وعن أنس رضي الله عنه ُأنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلهُ . متفق عليه. 5/606- وعن الأسود بن يزيد رضي الله عنه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- يعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة. رواه البخاري. 6/607- وعن أبي رفاعة تميم بن أُسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت : يا رسول الله، رجل غريبٌ جاء يسألُ عن دينه لا يدري ما دينُهُ؟ فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خُطبتهُ حتى انتهى إليّ ، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يُعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبتهُ، فأتم آخرها. رواه مسلم.