73- باب حُسن الخُلق قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)، وقال تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ )(آل عمران:134). 1/621- وعن أنس رضي الله عنهُ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً). متفق عليه.
 
قال الحافظ النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب حسن الخلق، يعني باب الحث عليه، وفضيلته، وبيان من اتصف به من عباد الله، وحسن الخلق يكون مع الله ويكون مع عباد الله.
أما حسن الخلق مع الله: فهو الرضا بحكمه شرعاً وقدراً، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، وعدم الأسى والحزن، فإذا قدر الله على المسلم شيئاً يكرهه رضي بذلك واستسلم وصبر، وقال بلسانه وقلبه: رضيت بالله رباّ، وإذا حكم الله عليه بحكم شرعي؛ رضي واستسلم، وانقاد لشريعة الله عزّ وجلّ بصدر منشرح ونفس مطمئنة، فهذا حسن الخلق مع الله عزّ وجلّ.
أما مع الخَلق فيحسن الخُلق معهم بما قاله بعض العلماء: كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقه الوجه، وهذا حسن الخلق.
كف الأذى بألا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بجوارحه، وبذل الندى يعني العطاء، يبذل العطاء من مال وعلم وجاه وغير ذلك، وطلاقة الوجه بأن يلاقي الناس بوجه منطلق، ليس بعبوس، ولا مصعّرٍ خده، وهذا هو حسن الخلق.
ولا شك أن الذي يفعل هذا؛ فكيف الأذى ويبذل الندى ويجعل وجه منطلقاً؛ لا شكل أنه سيصبر على أذى الناس أيضاً، فإن الصبر على أذى الناس لا شك أنه من حسن الخُلق، فإن من الناس من يؤذي أخاه، وربما يعتدي عليه بما يضرّه؛ بأكل ماله، أو جحد حق له، أو ما أشبه ذلك، فيصبر ويحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى، والعاقبة للمتقين، وهذا كله من حسن الخلق مع الناس.
ثم صدّر المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب بقوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) ،وهذا معطوف على جواب القسم (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (القلم:1-4). إنك : يعني يا محمد، لعلى خلق عظيم لم يتخلق أحد بمثله، في كل شيء؛ خلق مع الله، خلق مع عباد الله، في الشجاعة والكرم وحسن المعاملة وفي كل شيء، وكان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن يتأدب بآدابه؛ يمتثل أوامره ويجتنبُ نواهيه.
ثم ساق المؤلف جزءاً من آية آل عمران في قوله: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) ( آل عمران134)، وهذه من صفات المتقين الذين أعد الله لهم الجنة، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 133-134).
( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) يعني الذين يكظمون غضبهم، إذا غضب، ملك نفسه وكظم غيظه، ولم يتعد على أحدٍ بموجب هذا الغضب.
(َ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس)إذا أساءوا إليهم، (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فإن هذا من الإحسان أن تعفو عمّن ظلمك، ولكن العفو له محل؛ إن كان المعتدي أهلاً للعفو فالعفو محمود، وإن لم يكن أهلاً للعفو؛ فإن العفو ليس بمحمود؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه)(الشورى:40).
فلو أن رجلاً اعتدى عليك بضربك، أو أخذ مالك، أو إهانتك، أو ما أشبه ذلك، فهل الأفضل أن تعفو عنه أم لا؟
نقول في هذا تفصيل: إن كان الرجل شريراً، سيئاً، إذا عفوت عنه ازداد في الاعتداء عليك وعلى غيرك، فلا تعفُ عنه، خذ حقك منه بيدك، إلا أن تكون تحت ولاية شرعية فترفع الأمر إلى من له الولاية الشرعية، وإلا فتأخذه بيدك ما لم يترتب على ذلك ضرر أكبر.
والحاصل أهه إذا كان الرجل المعتدى سيئاً شريراً هذا ليس أهلاً للعفو فلا تعفُ عنه، بل الأفضل أن تأخذ بحقك؛ لأن الله يقول : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ)، والعفو في مثل هذه الحال ليس بإصلاح.
والنفس ربما تأمرك أن تأخذ بحقك، ولكن كما قلت إذا كان الإنسان أهلاً للعفو فالأفضل أن تعفو عنه وإلا فلا.

الموضوع التالي


2/622- وعنه رضي الله عنه قال: ما مسستُ ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فلما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتهُ: لم فعلتهُ؟ ولا لشيءٍ لم أفعلهُ: ألا فعلت كذا؟. متفق عليه. 3/623-وعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: أهديتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، فردهُ على، فلما رأى ما في وجهي قال: (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) متفق عليه.